الرئيسية / صحة ورياضة / الخنّاق الصدري المُستقرّ: طُرق وكيفيات العلاج والتدخّل..    امراض القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022  (الجزء الثاني عشر)

الخنّاق الصدري المُستقرّ: طُرق وكيفيات العلاج والتدخّل..    امراض القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022  (الجزء الثاني عشر)

الخنّاق الصدري المُستقرّ: طُرق وكيفيات العلاج والتدخّل..

امراض القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022

(الجزء الثاني عشر)


 

بعد إن عرضنا في الأجزاء السابقة من هذا الملف تعريف الخنّاق الصدري المُستقرّ، اسبابه، اعراضه وطرق تشخيصه والتعرّف عليه نستكمل في هذا الجزء طُرق وكيفية علاج هذا المرض وما هي السُبل المتوفّرة امامنا في سبيل تحقيق افضل نوعية حياة للمريض ولإطالة امد بقائه على قيد الحياة.

وبدايةً وفي معرض الحديث عن علاج هذا المرض لا بُدّ من الكلام سريعاً عن اهداف العلاج والطُرق الدوائية، التدخّلية والجراحية المُمكنة لذلك:

أ-أهداف العلاج:

تقوم أهداف علاج هذا المرض على القواعد التالية:

– معالجة الأعراض والآلام الصدرية والنوبات التي قد تحصل بهدف تمكين المريض من مُمارسة حياة شبه طبيعية، بما في ذلك العودة الى مُمارسة العمل بشكلٍ طبيعي ومُمارسة مُستوى رياضي مقبول.

-محاولة إبطاء تطوّر مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب على كل المستويات وفي كل اعضاء الجسم، بما في ذلك على مستوى شرايين الأطراف وشرايين الرأس.

-منع حدوث أحداث قلبية حادّة مثل تطوّر هذا المرض نحو حصول حالات “الخنّاق الصدري غير المُستقرّ” أو “الذبحة القلبية الحادّة”.

– إطالة امد بقاء المريض على قيد الحياة، بحيث أن هناك عدّة طُرق علاجية وأدوية مُختلفة تمنع الوفيات المُبكرة بسبب هذا المرض.

 

ب-طرق العلاج:

وهنا يجب الفصل بين العلاجات العامّة او الأساسية التي تهدف لمنع تطوّر المرض والأحداث الحادّة التي قد تحدُث عند هكذا مرضى والعلاجات الخاصة التي تهدف فقط بشكلٍ اساسي الى علاج الأعراض وخاصة الم الصدر الناتج عن نقص تروية عضلة القلب.

 

*-العلاجات الأساسية وادوية الأمراض المُصاحبة: في البداية لا بُدّ من القول ان المريض الذي يُعاني من مرض تصلّب الشرايين المُستقرّ والمُؤكّد (بواسطة القسطرة وخاصة المريض الذي مضع لعملية توسيع لأحد الشرايين التاجية للقلب او لعملية قلب مفتوح) يجب ان يتناول في كل الأحوال “جرعات خفيفة” من “الأسبيرين” تتراوح بين 75 الى 100 ملغ، لأن هذا الدواء اثبت فعالية كبيرة في التخفيف من نسبة الأحداث القلبية الخطيرة اللاحقة كالذبحة القلبية الحادّة والموت المُفاجئ، والتي قد تحدث عند هكذا مرضى. كذلك يجب تناول جرعات مُرتفعة من الأدوية المُخفّضة لمستوى الدهنيات في الدم والمعروفة بإسم “الستاتين” (Statins) لخفض مستوى الكوليسترول الضارّ (LDL cholesterol) الى ادنى مستوى مُمكن في الدم (اقل من 0.55 غرام في الليتر)، لأن هذه الأدوية تلعب دور كبير في منع تطوّر المرض والحدّ من ترسّب الدهنيات في جدار الشرايين، وفي الوقاية من الأحداث الحادّة اللاحقة تماماً كما الأسبيرين، بالإضافة الى فؤائد اخرى مُتعدّدة سوف نأتي على ذكرها لاحقاً. كذلك على كل هؤلاء المرضى تناول الأدوية الإعتيادية التي يجب ان يتناولونها لعلاج مرض إرتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري وغيرها من الأمراض القلبية مثل قصور عضلة القلب وغيره، مع إعطاء الأفضلية في كل حالة للأدوية التي اثبتت انها تعالج المرض وتُحسّن مُستقبله وتطيل امد حياته اي تلك التي اثبتت انها تُخفّف من نسبة الوفيات عند هؤلاء المرضى. وعلى سبيل المثال لا الحصر يجب دائماً مُحاولة إعطاء الأفضلية لإستعمال عائلة ال (ACE inhibitors) وعائلة الى ال (ARB) في علاج الصغط الشرياني، وعائلة ال (Gliflozines) وعائلة ال (GLP 1 receptors agonist)، في علاج مرض السكري، لما لهذه الأدوية من فؤائد كبيرة في الوقاية الأوّلية والثانوية من اعراض مرض تصلّب الشرايين بشكلٍ عام، وفي تخفيف اعراض قصور القلب والوقاية منه، وفي تخفيف الوفيات العامة والقلبية عند هكذا مرضى.

*-العلاجات الدوائية بواسطة مُضادّات “نقص التروية”:

وهي أدوية مُتنوّعة ومن عائلات دوائية مُختلفة، تهدف لعلاج الأعراض اولاً، عن طريق منع حدوث النوبات الصدرية والآلام في حالة الراحة كما عند الإجهاد. وهي تشتمل:

١- مُشتقّات النيتروغليسرين او ال(Nitrates): وهي أدوية قديمة جداً وتُوسّع شرايين القلب والشعيرات الشريانيه وتُوسِّع ايضاً الأوردة المُحيطة التي تُوصل الدم الأزرق “غير المُؤكسج” الى القلب. ولذلك فهي تُخفّف حاجات القلب من الأوكيسجين أيضاً لأنها تُؤدي الى تخفيض مستوى “التحميل المُسبق للقلب”، اي نسبة إمتلاء القلب من الدم، لأنها بهذه الطريقة تُخفّض قليلاً العبء الذي يجب على القلب ان يقوم به. ويوجد منها عدة أشكال صيدلانية من ضمنها الحبّة السريعة الفعالية التي توضع تحت اللسان, والتي تستعمل خلال النوبات لأن مفعولها يظهر خلال أقل من دقيقة. وهناك الشكل الصيدلاني الذي يعتمد على البخّاخ (Spary)، وهو أيضاً كثير الإستعمال في أوروبا، واقلّ بكثير في لبنان والدول العربية لأن الشركات المصنّعة له لا تسوّقها كثيراً عندنا. ولكنّ هذه الأشكال قد تُعرّض المريض في حال إستعمالها بتكرار، لحالات هبوط خطير في الضغط الشرياني ولحالات غياب عن الوعي أو غثيان. ولذلك يجب إستعمالها فقط عند الحاجة، وعدم تكرار الجرعات إلا بعد مرور وقت على الجرعة الأولى. ويجب تناولها في حالة الجلوس لتحاشي حصول هبوط سريع في الضغط الشرياني. أما الشكل الذي يتمّ تناوله بالفم، فهو مُلائم أكثر من أجل الوقاية من نوبات الألم الصدري ولعلاج التمكين المُزمن. وهناك عِدّة مُشتقّات من هذه الأدوية ذات المفعول “قصير”، “متوسط” الأمد، والتي من المُمكن تناولها مرتين أو أكثر في النهار. ومنها أشكال جديدة يكون مفعولها “طويل الامد”، ويتمّ تناولها مرة واحدة فقط. وتتوفّر هذه الأدوية ايضاً على شكل لزقات (Patches) تحتوي على هذه المواد، ويتمّ إستعمالها عبر لزقها على الجلد لمدة 12 إلى 18 ساعة او اكثر، خلال النهار أو الليل لمنع حالات تأقلم الجسم على هذه المواد التي قد تفقدها فعاليتها مع الوقت. وهناك أدوية اخرى ظهرت بعد سنوات من تطوير هذه العائلة من الأدوية، وتعمل بطريقة مُماثلة لطريقة عمل النيتروغليسربن مثل ال (Molsidomine) والـ (Nicorandil). وهي ادوية كثيرة الإستعمال وتُعطى بثلاث جرعات يومياً للأول، وبجرعتين للثاني. هي نسبياً زهيدة الثمن لأنها قديمة جداً، ويوجد منها عدّة “ادوية جُنيسية” (جنريك) من مصادر مختلفة.

 

ب-“مُثبّطات او مُضادّات بيتا” (Beta blockers): وهي الأدوية الأساسية في علاج هذا المرض والوقاية من أعراضه. وهي تُخفّف بشكلٍ كبير حاجات عضلة القلب من الأوكيسجين عن طريق تخفيض ضربات القلب وتخفيض الضغط الشرياني، وهما كما ذكرنا سابقاً من العوامل الأساسية التي تزيد من إستهلاك الأوكيسجين في عضلة القلب. هذه الأدوية تحمي أيضاً من الإضطرابات الخطيرة التي قد تُصيب ضربات القلب عند هؤلاء المرضى، نتيجة نقص تروية العضلة، وتُخفّف أيضاً من خطر تكرار الذبحات القلبية. ولذلك يجب إستعمال هذه الأدوية في كل مرّة يكون بالإمكان ذلك لأنها ليست فقط لعلاج الأعراض، وإنما هي تطيل من عمر المريض عن طريق تخفيف الأحداث القلبية القاتلة، وخاصة حالات الموت المُفاجئ وإلإضطرابات الخطيرة في ضربات القلب. ويجب إستعمال الأدوية الجديدة التي تعمل على مُتقبّلات او لاقطات (Beta 1) والإبتعاد قدر الإمكان عن مُتقبّلات (Beta 2) القديمة التي تتسبّب بالآثار الجانبية لهذه الأدوية مثل إنسداد القصبة والمجاري التنفّسية ومُتلازمة (Raynaud) الناتجة عن تشنّج شرايين الأطراف، خاصة في اليدين، مما قد يتسبّب بألم شديد فيها مع إزرقاق الاصابع وإمكانية الوصول إلى مرحلة بترها بسبب “الغرغرينا”. وكذلك يجب تجنّب هذه الأدوية عند المرضى المُصابين بمرض الربو المُتقدّم، لأنها قد تتسبّب في تفاقم حالة هؤلاء المرضى، أو في حدوث أزمة ربوية طويلة وخطيرة. ويجب ايضاّ الإنتباه عند المرضى المُصابين بمرض السكري عندما يتناولون هذا النوع من الأدوية لأنها قد تُخفي عندهم علامات هبوط السكر في الدم. لكن في مقياس الربح والخسارة يجب إستعمال هذه الأدوية حتى عند المرضى المصابين بمرض السكري بسبب الفوائد الكبيرة التي نحصل عليها عند إستعمالها، مع الإنتباه عند وصف الأدوية المعالجة للسكري ولآثارها الجانبية لديهم. ومن أهم الأدوية الموصوفة في هذه الحالة الأدوية التالية:(Bisoprolol, Atenolol, Metoprolol,Nebivelol, etc….) وهي مُتوفّرة تحت اسماء تجارية مُختلفة ومن مصادر متنوّعة، ويُوجد منها عدّة “ادوية جُنيسية” او “جنريك”، واسعارها ليست مُرتفعة مُقارنة مع الأدوية الاخرى. اخيراً، فإنّ كل واحد من هذه الأدوية مُتوفّر بعدّة جرعات مُمكنة، ويجب أن يكون الهدف العلاجي من هذه الأدوية الحصول على مُعدّل ضربات قلب أقل من 55 الى 60 ضربة في الدقيقة و 110 في الدقيقة في حالة الأجهاد. كما يجب الإنتباه عند المُتقدّمين بالسن حيث يحصل هبوط خفيف او متوسّط في ضربات القلب بشكلٍ تلقائي، ولذلك يجب تخفيف الجرعات بسبب ذلك.

 

ج- مُثبّطات او مُضادّات الكالسيوم (Calcium channel blockers):

وهي العائلة الثالثة من الأدوية المُستعملة في هذه الحالة وتنقسم إلى فئتين:

-عائلة ال(Dihydorpyridines)،

مثل ادوية ال (Nifedipine, Amlodipine Nicardipine)، وهي أدوية تُؤدّي إلى توسيع الشرايين عن طريق تأثيرها على الخلايا العضلية الملساء الموجودة في داخل جدار الشرايين التاجية وغيرها من الشرايين المُحيطة. وهي تُخفّف حاجات القلب من الأوكيسجين عن طريق تخفيف الضغط الشرياني وعن طريق توسيع الشرايين التاجية للقلب، من دون حصول تباطؤ في ضربات القلب بل احياناً مع حصول بعض التسرّع فيها كما مع دواء ال (Nifedipine). ويظهر ذلك خاصة عند المرضى الذين يكون لديهم تشنّج أو إنقباض مُتقدّم في في هذه الشرايين. ومن أهم الآثار الجانبية لهذه الأدوية هي إمكانية حصول تورّم في الساقين، الصداع، إمكانية حصول إحمرار مع شعور بالورم والحرارة في الرأس والوجة. وتُوجد هذه الأدوية كما سابقاتها من مصادر مختلفة (صناعة وطنية، عربية او غربية)، بجُرعات مُختلفة وبأشكال جُنيسية (جنريك) متعدّدة. وهي قليلة الكلفة لأنها قديمة ايضاً.

2- عائلة ال (Non-dihydropyridines)، مثل ال(Diltiazem, Verapamil)، وهي أدوية مُوسّعة للشرايين أيضاً، لكن لها أيضا تأثير سلبي على قوّة إنقباض عضلة القلب. وهي تُخفّض أيضاً عدد ضربات القلب. ولذلك فهذه الأدوية لا يجب أن تُستعمل في حال وجود قصور مُتقدّم في وظيفة عضلة القلب، أو في حال وجود خلل في عمل العُقدة الجيبية (Sinus nod)، او في حال وجود تباطؤ كبير في ضربات القلب (Severe bradycardia). هذه الأدوية مُتوفّرة ايضاً من مصادر مختلفة وبجرعات مُختلفة ويوجد منها “جنريك” ايضاً، وهي زهيدة الكلفة ايضاً.

 

د- دواء ال (Ivabradine) : وهو دواء من عائلة جديدة، ويقوم بالتأثير على أقنية الصوديوم والبوتاسيوم التي تعمل أثناء عمليات تعديل القطبية التي تحصل خلال الإرتخاء البطيء الذي يُصيب العُقدة الجيبية (Slowly depolarization of sinus nod). وهذا ما يُؤدّي إلى حدوث تباطؤ في ضربات القلب، من دون أن يحدث اي تأثير سلبي على قوّة إنقباض الخلايا العضلية القلبية، ودون حدوث تشنّج في شرايين القلب. ويجب عادةً إستعمال هذا الدواء عند المرضى الذين يعانون من خنّاق صدري مُستقرّ في حال كانت ضربات القلب لديهم نابعة من العُقدة الجيبية وكانت أكثر من 70 ضربة في الدقيقة، خاصة إذا كانوا غير قادرين على تناول “مُضادّات بيتا” (Beta blockers)، أو إذا كان لديهم سوء تقبّل او اعراض سلبية كثيرة مع إستعمال هذه الأدوية. ومن المُمكن إعطاء هذا الدواء مع “مُضادّات بيتا” في حال إستمرار الضربات القلبية على وتيرة أكثر من 70 في الدقيقة.

ولا يجب إعطاء هذا الدواء في حال وجود هبوط كبير في الضغط الشرياني أقل من 90 mm زئبق للإنقباضي وأقل من 50 mm زئبق للإنبساطي. ومن اهم آثاره الجانبية إمكانية حدوث بعض المشاكل في النظر مثل رؤية بعض الشُهب او الظواهر البصرية المضيئة المؤقتة (سطوع مؤقت في مجال الرؤية). ولذلك على المرضى الذين يحصل عندهم ذلك توخّي الحذر عند القيادة، أو عند إستخدام الآلات في الأوقات التي قد تحدث فيها تغيرات مُفاجئة في شدّة الضوء، خاصة عند القيادة ليلاً. وقد أظهرت دراسة واسعة أسمها (BEAUTIFUL) أهمية هذا الدواء في علاج المرضى الذين يعانون من خنّاق صدري مُستقرّ, حيث ظهر من هذه الدراسة أن الأشخاص الذين تكون لديهم ضربات القلب في حالة الراحة أكثر من 70 في الدقيقة تزداد لديهم نسبة الوفيات القلبية والوعائية والذبحات القلبية وحالات قصور القلب والحاجة إلى عمليات توسيع الشرايين أو لإجراء عمليات جراحية قلبية بشكلٍ كبير، مُقارنة مع المرضى الذين لا يوجد عندهم ذلك. ولذلك فقد ثبت إن تناول هذا الدواء يُخّفف عند هؤلاء المرضى بشكلٍ كبير من خطر “الذبحات القلبية القاتلة” و”غير القاتلة”، ويُخفّف أيضاً من الحاجة إلى إجراء عمليات توسيع الشرايين أو العمليات الجراحية القلبية. وهذه الفائدة موجودة رغم كون هؤلاء المرضى يتناولون الأدوية الأساسية الأخرى لعلاج هذا المرض ومن هنا تأتي أهمية هذا الدواء الجديد. وقد اظهر هذا الدواء لاحقاً ايضاً انه مُفيد ايضاً في علاج قصور القلب وهو مُستعمل في هذه الحالة ايضاً. وقد تم تطويره من طرف مختبرات (Servier) الفرنسية في البداية، وظهر في العام 2005، ويوجد منه جرعة ال 5 ملغ وجرعة ال 7,5 ملغ. ويوجد منه حالياً “جنريك” من مصادر مختلفة، ولكن سعره يبقى اعلى من الأدوية الأخرى لأنه يُعتبر اجدد منها نسبياً.

ه- دواء ال(Trimétazidine) :وهو

يُسوّق تحت اسم (Vastarel). وقد

طوّرته ايضاً مُختبرات (Servier) الفرنسية منذ عدّة سنوات. ورغم تسويقه منذ عدّة سنوات لعلاج الخنّاق الصدري المُستقرّ فإن طريقة عمله غير واضحة ومُؤكدّة في دراسات دقيقة وواسعة، وهو لذلك قليل الإستعمال في الكثير من الدول ومنها لبنان. فهو يمنع عمل ال (3-Ketoacyl coenzyme A (thiolase, ولذلك فهو يُسهّل حماية الخلايا أثناء نقص الأوكسجيين (نقص الأكسجة)، ربما عن طريق تعديل التمثيل الغذائي او عمليات إستقلاب الدهون داخل هذه الخلايا. وبذلك يُوفّر بعض الحماية ضُد الإجهاد التأكسدي في خلايا عضلة القلب. وبالتالي يبدو أنه يُحسّن وظيفة القلب الإنقباضي والكسر القذفي للقلب أثناء نقص تروية عضلة القلب، ويُقلل من أعراض هذا المرض. وهو يُمكن أن يُقلّل أيضاً من تكوين تليّف القلب الناجم عن زيادة الضغط الشرياني. وعلى مستوى الأوعية الدموية، فهو يُحسّن وظيفة البطانة الداخلية للشراين عن طريق الحفاظ على تدفّق أفضل للدم فيها بعد اية إصابة حادّة عابرة في جدار الشريان.

وقد يُحسّن ايضاً حساسية الجسم على الأنسولين. وهو مُتوفرّ بجرعة 35 ملغ، ويجب تناوله مرّتين في اليوم. وعادة ما يتمّ إستعماله كعلاج لأعراض مرض تصلّب الشرايين المُستقرّ بالإضافة الى الأدوية الأخرى او كبديل عنها في حال عدم مُلائمتها عن بعض المرضى. ويوجد منه ادوية جُنيسية (جنريك) لأنه قديم جداً ولكن سعره مُرتفع نسبياً بالرغم من ذلك.

 

-العلاج “غير الدوائي” : وهو من المُمكن أن يتمّ على طريقتين, إما بواسطة التقنيات التدخّلية اي عن طريق توسيع الشرايين بواسطة البالون والروسور، وإما عن طريق العمليات الجراحية. وهو يهدف إلى تحسين مُستقبل المريض وإطالة عمره، وإما فقط لتحسين الأعراض الناتجة عن المرض.

أ- إطالة عمر المريض:

وهو ما نحصل عليه فقط مع الجراحة، في الحالات التي تكون فيها إنسدادات الشرايين مُتقدّمة جداً أو خطيرة مثل عند المرضى الذين يُعانون من إنسداد في النهر الكبير الأيسر (Left main (artery وهو الشريان الأيسر الأساسي-(إصابات عند مصدره او في وسطه او في القسم الأخير منه)، أو عند المرضى الذين يُعانون من الإصابات التي تُعادله، أي إصابات فم الشريان الأمامي النازل (Left Anterior Descending artery) أو فم الشريان الخلفي، أو عند وجود إصابات على المناطق الأقرب إلى الشريان الأبهر في الشرايين التاجية الثلاثة الكبيرة, أو عند وجود إصابة في شريانين مُهمّين من ضمنهما إصابة الشريان الأمامي النازل. واخيراً عند وجود خلل في وظيفة او عمل عضلة القلب مع وجود إصابات شريانية وتأكيد وجود حياة في أماكن مُتعدّدة من عضلة القلب التي تتغذى من هذه الشرايين. وقد ثبت ان الجراحة تُطيل امد حياة المريض في كل الحالات التي ذكرناها مُقارنةً مع العلاجات الأخرى الدوائية او التدخّلية.

ب- تحسين الأعراض:

وهو ما نهدف إليه في حال لم نستطع إزالة أو تخفيف الأعراض بشكلٍ فعّال رغم إستعمال كل ترسانة الأدوية المُتوفّرة لدينا في هذا المجال. وهنا من المُمكن العلاج إما بالجراحة، وإما بالطرق التدخّلية. ويتمّ عادةً تحديد نوع العلاج الذي سنقدّمه للمريض بحسب نوعية وكفاءة الفريق الطبي المُتوفّر او الذي يعمل في المستشفى او المركز المُتخصّص في علاج مرضى القلب، وبحسب نوع الإصابات على الشرايين التاجية للقلب ودرجة تعقيدها وتكلّسها. وبشكلٍ عام يُفضّل اللجوء الى العلاج التدخّلي في حال كانت الإصابات على شريان واحد أو أثنين فقط من الشرايين التاجية للقلب، وخاصةً إذا كان المريض لا يُعاني من مرض السكري. في حين يجب اللجوء الى العلاج بواسطة الجراحة (لمدّ جسور ابهرية-تاجية) في الحالات الأخرى التي تكون فيها الإصابات على 3 شرايين، وخاصة إذا كان المريض يعاني من مرض السكري.

ج- العمليات الجراحية:

وهي تجري عبر ما يسمى شعبياً بعمليات “القلب المفتوح” او باللغة الفصحى “جراحة مجازة الشرايين التاجية”، أو ما يُسمّى طبياً ايضاً بإسم عمليات التجسير الأبهري-التاجي. وهي عمليات يتمّ خلالها زراعة شرايين جديدة لإيصال الدمّ إلى المناطق التي يُوجد عليها إنسدادات مُهمّة (اي ان نسبتها أكثر من %70). وقد شرحنا في المقالات السابقة التي تكلّمنا فيها عن واقع جراحة القلب في لبنان والعالم في العام 2022 انّ “الوعاء الأفضل والأمثل” الذي يجب إستعماله لهذه الجسور هو الشريان الداخلي للصدر(Internal mammary artery)، لأنه يُعطي نتائج مُهمّة على المدى البعيد، بحيث أن نسبة إنسداده بعد مرور 10 سنوات على إجراء العملية لا تتعدّى الـ %10. في حين إن إستعمال أوردة الساقين (Saphenous vein graft) لا يُعطي نتائج مُماثلة، لأن حوالي %50 تقريباً من هذه الأوردة يتعرّض لمشاكل مُهمّة مثل الإنسداد الكامل، او الإصابة بمرض التصلّب والإنسداد التدريجي والترهّل بعد مرور ثلاث إلى خمس سنوات بعد زرعها فقط. وتُوصي كل الجمعيات العلمية المُتخصّصة بجراحة القلب بأن يتمّ إستعمال الشريان الداخلي الأيسر والأيمن للثدي في كل مرّة يكون ذلك مُمكناً، خاصة عند المرضى المُصابين بمرض السكري من أجل الحصول على نتائج أفضل على المدى البعيد ولإطالة امد عمر المريض بعد الجراحة، وذلك كما اظهرت معظم الدراسات العلمية التي قيّمت ذلك. ولكن هذا الإستعمال المزدوج للشرايين الداخلية للصدر يُعرّض المريض احياناً لبعض الآثار الجانبية، ومن أهمّها إمكانية حصول سوء إلتحام في عظمة القصّ في القفص الصدري، وإحتمال حصول إلتهابات في داخل “المنصف” أو “الحيزوم” (Mediastinitis)، وهذا ما يعني علمياً حصول إلتهابات في الأعضاء الموجودة داخل القفص الصدري بين الرئتين. وفي بعض الأحيان قد يتمّ إستعمال “الشريان الكعبري” (Radial artery) أو الشريان المعدي- الثربي (Gastro epiploic artery) الموجود في اعلى البطن. ولكن إستعمال هذين الشريانين يتطلّب عمل جراحي إضافي من أجل إستخراجهما. وهما يُعطيان على المدى البعيد نتائج مُتقاربة جداً مع النتائج التي نحصل عليها عبر إستعمال الشرايين الداخلية للصدر في حال تمّ زرعها على الشرايين التاجية نفسها.

وهناك تقنيات جراحية مُتنوّعة عند إستعمال الشريان الداخلي للصدر، مثل أن يتمّ زرعه على عدّة شرايين تاجية للقلب، الواحد تلو الأخر (Sequential anastomosis)، أو أن يتمّ إستعمال وصلة بشكل (Y) مأخوذة من الشريان الصدري الداخلي الأيمن أو من الشريان الكعبري، بحيث يتمّ إستعمال أوعية شريانية فقط خلال العمل الجراحي بهدف الحصول على نتائج جراحية أفضل على المدى البعيد. وهذا ما قد يكون له فائدة كبيرة كما ذكرنا سابقاً في بعض الحالات الخاصة. وهو في كل الأحوال أفضل من إستعمال أوردة الساقين ويُخفّف من حدوث الجلطات الدماغية، لأن هذه التقنيات تُخفّف من لمس ومقاربة وتحريك الشريان الأبهر الذي قد يكون يحتوي على ترسبات دهنية- كلسية مُهمّة، خاصةً عند المرضى المُتقدّمين بالسنّ. وهذه التقنيات تحدّ من بعض الإلتهابات الجلدية التي قد نراها احياناً والتي قد تكون ناتجة عن إستخراج أوردة الساقين.

في المقابل قد تُعرّض هذه التقنيات المريض لمشاكل الإلتهابات داخل القفص الصدري (المنصف) وإلتهابات عظمة القصّ، خاصة عند البدينين أو عند المرضى المُصابين بمرض السكري، وهذا ما يستدعي مُراقبة مُتشدّدة لحالة الجلد لديهم.

وهناك ايضاً إمكانية لإجراء الجراحة بدون “توقّف القلب” أثناء العمل الجراحي (Beating heart surgery)، أي بدون إستعمال المضخّة القلبية الإصطناعية أثناء الجراحة، وذلك بهدف تفادي مُلامسة وتحريك الشريان الأبهر وتفادي توقيف القلب في بعض الحالات التي قد يكون المريض فيها يعاني من قصور في وظيفة عضلة القلب الأيسر (Left ventricular dysfunction). لكنّ نتائج هذه التقنيات ليست كاملة ومثالية كما شرحنا سابقاً ايضاً، ولا تسمح هذه الطريقة بإجراء كل الجسور الأبهرية-التاجية، ونتائجها على المدى البعيد غير كافية بالمُجمل. اخيراً إن مخاطر العملية الجراحية التي تعتمد هذه التقنية على المدى القصير ليست مُنخفضة تماماً مقارنة بالجراحة العادية، وهي تتطلّب جراحاً بارعاً ومُدرباً بشكلٍ كبير على إجراء هكذا جراحات. وهي قد تكون ذات فائدة عند بعض المرضى الذين يُعانون من تكلّس كبير في الشريان الأبهر يمنع إجراء الوصلات عليه، أو عند المرضى الذين كانوا قد خضعوا لعمل جراحي قلبي سابق، أو عند المرضى الذين نُقرّر فقط أن نُجري لهم عملية على الشريان الأمامي النازل فقط وخاصة إذا كانوا يُعانون من قصور أو كسل في عمل عضلة القلب.

د-العلاج التدخّلي:

وهو طبعاً مُمكن مع إستعمال الرسورات او الدعامات العادية “غير المطلية بالدواء” (Bare metal stent) وهي الجيل الأوّل من هذه الدعامات التي ظهرت في العام 1986, أو الروسورات الذكية “المطلية بالدواء” (Drug elutting stent) وهي تُشكّل الجيل الثاني من هذه الدعامات وظهرت في العام 1999 وسوف نتحدّث لاحقاً عن خصائص كل جيل منها. لكن هناك دراسات كثيرة ومن اهمها دراسة قديمة نسبياً إسمها (Courage) نُشرت في العام 2005، ودراسة جديدة اسمها (ISCHEMIA) نُشرت في العام 2019، أثبتتا أن هذا العلاج لا يُطيل من عمر المريض مُقارنة مع “العلاج الدوائي المُناسب والأمثل”، وان العلاج التدخّلي بواسطة تقنيات البالون والروسور و/ او بواسطة الجراحة يُعالج فقط الأعراض الناتجة عن هذا المرض ولا يُحسّن مُستقبل هؤلاء المرضى مُقارنة بالعلاج الدوائي، ولذلك لا يجب اللجوء له في حالة الخنّاق الصدري المُستقرّ، إلا في بعض الحالات التي يبقى فيه المريض يعاني من اعراض مُتكرّرة ومُزعجة رغم تناوله لكل العلاجات الدوائية المُتوفّرة، او اذا كانت المنطقة المُهددة بالإصابة بذبحة قلبية نتيجة إنسداد ما في الشريان التاجي للقلب كبيرة جداً بحيث يُؤدّي ذلك الى ضرر كبير في وظيفة عضلة القلب، او اذا كان المريض يعاني من قصور في عضلة القلب وغيره من الحالات الخاصة.

في الجزء القادم من هذا الملف سنعرض كيفية إختيار نوع العلاج المُناسب للمريض الذي يُعاني من مرض الخنّاق الصدري المُستقرّ، ونغوص تفصيلياً في عرض طُرق الوقاية الأوّلية والثّانوية المُتاحة لمنع تطوّره ولمنع معاودة اعراضه.

 

د. طلال حمود- طبيب قلب وشرايين، مُتخصّص في الطبّ التدخّلي للقلب وفي امراض القلب عند المُصابين بمرض السكري وعند الرياضيين.

مُنسّق مُلتقى حوار وعطاء بلا حدود

شاهد أيضاً

أيّام صعبة جداً بإنتظارنا… إنتبهوا الكوليرا تدقّ أبواب 40 منطقة!

يبدو القلق مشروعاً اليوم من إنتشار وباء الكوليرا الذي بات يدقّ أكثر من 40 منطقة …

الاشترك بخدمة الخبر العاجل