دفعت الولايات المتحدة الاميركية بكل ثقلها من اجل التوصل الى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والأهم التعهد بالمضي قدماً في ضبط السلوك الإسرائيلي لجهة عدم التنصل مما تم بلوغه.
ولم تكن عبارة الرئيس الاميركي جو بايدن، إنها «مجرد بداية» خلال الاتصال المطوّل الذي اجراه مع الرئيس ميشال عون، وطلب اثناءه ان ينقل شكر بايدن الى الرئيس نبيه بري «على المفاوضات واتفاقية الإطار التي توصلنا اليها».
وبعيداً عن الشكر وتبادل المجاملات، فقد وصف الرئيس عون الاتفاقية «بالتاريخية» في منطقة عصفت بها الصراعات والحروب.
والأهم في نظر بايدن، ان الاتفاقية «هي فرصة ايضاً لإعادة واستعادة الاستثمارات الاجنبية والخارجية في بلادكم والتي انتم في امسّ الحاجة اليها، وهذا سيساعدكم أيضاً على تعزيز فرص استغلال واستكشاف النفط والغاز في بلادكم لتحسين حياة الملايين من شعبكم. وإن تنفيذ هذه الاتفاقية بحسن نية سوف يكون امراً رئيسيًا ويلعب دوراً اساسياً في تحقيق النجاح، ونحن دائماً موجودون لمساعدتكم في اي وقت تحتاجون فيه الى المساعدة، وسنتأكد من التزام اسرائيل بجميع التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية».
وبدا الرئيس الاميركي، وهو يتحدث الى الرئيس عون، وكأنه منخرط في صميم الازمات اللبنانية، فبعد الاشارة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وان تجرى في موعدها وبموجب الدستور، وتأليف حكومة قادرة على استعادة ثقة شعبها، وتتمكن من تحقيق الاصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة للبلاد، من زاوية اعتماد مبدأ «الحوكمة الجيدة لانقاذ البلاد».
وقالت مصادر سياسية ان محاولة التيار الوطني الحر، تصوير اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بانه انجاز حققه عهد الرئيس ميشال عون بمفرده، هو مجاف للحقيقة وامعان في انكار الجهود التي قام بها مسؤولون وسياسيون اخرون، قبل تسلم عون الرئاسة بسنوات عديدة، بدءا من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وبعده الحكومات المتعاقبة تباعاً برئاسة سعد الحريري ونجيب ميقاتي، وجهود رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكانت العقبات والعراقيل المفتعلة، بايعاز من «حزب الله» و «التيار الوطني الحر»، تقف عثرة امام التوصل الى اتفاق بهذا الخصوص كما هو معلوم للقاصي والداني، مع الترويج المنظم لحملات العمالة والخيانة لكل من يدعو لانجاز مثل هذه الاتفاقات
وقالت المصادر انه بدلا من أن يلوم «التيار الوطني الحر» نفسه وحليفه «حزب الله» لتعطيل التوصل الى الاتفاق المذكور قبل عشر سنوات، لان الراعيين الايراني والسوري، لم يكونا موافقين على ذلك يومذاك، يحول التيار نسب هذا الاتفاق لعهد ميشال عون، للتغطية على الخسارة الضخمة، التي تسبب بها تعطيل الاتفاق، وتصويرها كانجاز يسجل للعهد الكارثي الذي اغرق البلد، بسلسلة من المشاكل والازمات ماثلة للعيان، في حياة اللبنانيين، ولن تنفع في تبييض صفحته السوداوية المطبوعة في ذاكرة المواطنين.
واشارت المصادر ان انجاز اتفاقية الترسيم بين لبنان وإسرائيل، بالرغم من كل محاولات التورية والتغطية على محتواها وابعادها السياسية والامنية والاقتصادية، تشكل بداية مرحلة جديدة بالعلاقات العدائية بين البلدين، وتشكل مدخلاً للبحث في المشاكل المعقدة، التي تطال الترسيم البري في المرحلة المقبلة، وابعد من ذلك، باتجاه ارساء حالة من الاستقرار الامني الدائم على الحدود اللبنانية الجنوبية، التي لم تسجل اي اهتزازات او اواشتباكات واسعة مع «حزب الله» منذ صدور القرار الدولي رقم1701 في صيف العام 2006، واكبر دليل التصريحات والمواقف الاميركية والاسرائيلية بهذا الخصوص.
وشددت المصادر على أن اتفاق الترسيم، لم يكن ليحصل لولا وجود تفاهم اميركي ايراني، غير معلن، وتقاطع مصالح، وليس نباهة المفاوض اللبناني وسكوت «حزب الله» المطبق واعلان الامين العام لحزب الله حسن نصرالله انه يقف خلف الدولة اللبنانية وما تتخذه من قرارات بهذا الخصوص، اكبر دليل على حصول هذا التفاهم الذي رمت الادارة الاميركية بكل امكانياتها لتحقيقه، في حين اظهر الاتصال الذي اجراه الرئيس الاميركي جو بايدن بالرئيس عون، مدى جدية واشنطن وتدخلها لتحقيقه.
واعتبرت المصادر ان كلام السفيرة الاميركية في لبنان عن الاتفاق واعلانها انه سيفتح افاقا جديدة امام لبنان في مجال الطاقة والاستثمارات فيها، يؤشر بمكان ما الى ان صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان قد فتحت، وان انجاز اتفاق الترسيم هو المفتاح الأساس لتطور هذه العلاقات نحو ما اعلنت عنه.
من جهة ثانية، كشفت مصادر متابعة معلومات ترددت، بان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، سيزور بعبدا قريباً لاعلان انتهاء مهمة التفاوض بخصوص اتفاقية الترسيم ألذي كلفه بها رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالمناسبة سيعلن استقالته من «التيارالوطني الحر»، للتفرغ لمنصب نائب رئيس مجلس النواب، الذي يتطلب منه متابعة وعملاً دؤوباً، في حين وضعت المصادر خطوة بو صعب، بانها تأتي في اطار الخلاف المستفحل مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والتي تفاعلت أثناء الانتخابات النيابية الاخيرة، واستباقاً لمرحلة التطهير بالتيار التي سيبداها باسيل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون مباشرة، في اطار التخلص من جميع خصومه داخل التيار.
وعلى الأرض الدبلوماسية، اعتبرت السفيرة الاميركية ان الاتفاقية ستطور قطاعات الطاقة وتوفّر الاستثمار الخارجي في لبنان، وتؤمن موارد طاقة للأسواق، وتعزز الاستقار وعلى جميع الاطراف الالتزام بالاتفاق.
ووصفت الخارجية الاميركية الاتفاق بين اسرائيل ولبنان على إنهاء النزاع على الحدود البحرية انجازاً دبلوماسياً رائعاً