حسين إبراهيم – الأخبار
من اليمن، إلى النفط، إلى استقطاب الشركات الأجنبية وغيرها من الملفّات، لا تفتأ الخلافات بين السعودية والإمارات تتوسّع يوماً بعد يوم، في ظلّ البحث المحموم عن دور يبرّر البقاء بالنسبة لأنظمة تقع تحت سيطرتها ثروة هائلة، تمدّ من خلالها نفوذها إلى أماكن بعيدة من حدودها. ولذا، لا بدّ للتصارع في ما بينها من أن يترك أثره الكبير خارج حدودها، كما تشير محاولة الرياض المستمرّة لإضعاف نفوذ أبو ظبي في اليمن، وإنْ استطاعت، إخراجها كلّياً منه
عندما تتوسّع الخلافات بين السعودية والإمارات، لا يعود بالإمكان إخفاؤها كثيراً، كما يحبّ الخليجيون لتلك الخلافات أن تظلّ وأن تُسوّى على طريقة «حَبّ الخشوم»، من دون أن يعلم الكثير من الناس أنها حصلت في الأساس. ففي حالة البلدَين المذكورَين، ينعكس الشقاق مباشرة في أسواق النفط العالمية، أو تغيّرات في مواقع السيطرة على الساحة اليمنية حيث يتشاركان العدوان على هذا البلد، أو في الكثير من الملفّات الأخرى. في الأيام الماضية، كانت مواقع التواصل الاجتماعي ميادين تَنابز بالألقاب بين «الذباب الإلكتروني» لكلا البلدين، بما أعطى المراقبين انطباعاً بأن الشقاق كَبُر إلى حدّ لم يعُد من الممكن معه العودة إلى سابق عهد العلاقات بينهما، لا سيما مع التلويح بخيارات كبيرة من جانب الإمارات، من بينها الخروج نهائياً من منظّمة «أوبك»، وذهاب البعض إلى إثارة احتمال الخروج من «مجلس التعاون الخليجي» أيضاً، ما يضع الخليج كلّه في مهب الأزمة. وتُقابل ذلك، من الجانب السعودي، محاولة لإخراج أبو ظبي من الساحة اليمنية التي استثمرت فيها الكثير، وإنْ بدا هذا الهدف عالي السقف، وقد لا يكون ممكناً تحقيقه في ضوء مكامن الضعف التي تعاني منها الرياض في البلد الجار.
اللافت أن الساحة الخليجية التي يحاول قادتها دائماً الظهور بمظهر التماسك، الذي كان يجب أن تُعزّزه أسعار النفط المرتفعة نسبياً، هي في الواقع مفكَّكة الآن أكثر من أيّ وقت مضى، وتسودها الكثير من الأزمات الثنائية والمتعدّدة الأطراف التي يتعذّر الوصول إلى تسويات في شأنها، مع انتقال الحُكم في أكثر من بلد خليجي أساسي إلى الأبناء، الأمر الذي كان متاحاً أكثر في ظلّ حُكم الآباء. كما تغيب الوساطات مع رحيل مَن كان يمكنهم القيام بها، مِن مِثل أمير الكويت الراحل، صباح الأحمد الصباح، الذي بذل جهداً كبيراً لتسوية الخلاف بين السعودية وقطر منذ نشوئه. فهل يوجد الآن في الخليج من يستطيع القيام بوساطة بين وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد؟
يراهن الكثير من السعوديين، على أن حجم المملكة الجغرافي والسكّاني وموقعها الديني ومواردها المالية الهائلة، كلّها تجعلها في موقع يمكّنها بسهولة من تحقيق الغلبة في مواجهتها مع الإمارات. إلّا أن التاريخ القريب يشير إلى أن السعوديين يرتكبون الخطأ ذاته أكثر من مرّة؛ إذ إن المواجهة مع قطر التي انتهت بانتصار قطري واضح، أثبتت قصور هذه النظرية. قبل أيام قليلة، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تقريراً عن عمق الخلافات السعودية – الإماراتية، خصوصاً في اليمن وفي موضوع النفط، ونقلت عن «مصادر مطلعة» أن مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، زار السعودية والتقى ابن سلمان في محاولة لتسوية الملفّات الخلافية، إلّا أن اجتماعهما فشل. ومن ثمّ حاول بعد قمّة أبو ظبي السداسية الخليجية – العربية في كانون الثاني الماضي، والتي قاطعها وليّ العهد السعودي، تأمين لقاء مع الأخير، لكنه لم يفلح في ذلك.
*التسويات التي كانت تحصل أيام الآباء غائبة في زمن الأبناء*
وبعد نشر التقرير، توسَّع تبادل الحملات بين أنصار قيادتَي البلدين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر في المملكة وسم «السعودية تؤدّب حثالة الإمارات»، وأثيرت خلاله تسريبات للصحافة عن احتمال خروج الدولة من منظّمة «أوبك»، ما دفع بأسعار النفط إلى الهبوط دولارين في يوم واحد، لتنفي الأمر بعد ذلك مصادر إماراتية تحدّثت إلى وكالة «رويترز». أيضاً، طُرح احتمال انسحاب الإمارات من «مجلس التعاون الخليجي»، لكن من دون الاستناد إلى أيّ تصريح أو تلميح إماراتي في هذا الشأن، على رغم أن الأمر يمثّل تذكيراً بأن المجلس يجد نفسه مرّة أخرى في أزمة عميقة تشمل أعضاء فيه، كما حدث خلال الأزمة مع قطر.
وعلى رغم النفي الإماراتي، إلّا أن الخلاف النفطي بين الرياض وأبو ظبي كبير جدّاً؛ إذ يعارض ابن زايد بشدة سياسات خفض الإنتاج التي يُرغِم ابن سلمان «أوبك+» على اعتمادها، ويَعتبر أنها تحدّ من القدرة الإنتاجية لبلاده وعائداتها المالية، وبالتالي من دورها العالمي. كما أنه يسعى إلى كسب الأميركيين إلى جانبه من خلال زيادة الإنتاج، بخلاف ولي العهد السعودي الذي يسعى إلى الضغط عليهم. وفيما يظلّ الخلاف النفطي تحت السيطرة، أقلّه راهناً، فإن ما قد يخرج عن السيطرة بينهما هو ما يجري حالياً في اليمن، من مسعى سعودي لـ«تأديب» الإمارات كما يقول الوسم، يتّخذ شكل محاولة السيطرة على مناطق النفوذ الإماراتي في هذا البلد، ولا سيما في محافظة شبوة، التي كانت «ألوية العمالقة» التابعة لأبو ظبي، قد سيطرت عليها العام الماضي، وجزيرة سقطرى التي تعمل الإمارات، بالاتفاق مع إسرائيل، على إقامة قاعدة عسكرية عليها للسيطرة على الممرّ المائي المهمّ عند مدخل خليج عدن، فضلاً عن تعز حيث يريد ابن سلمان استمالة العميد طارق صالح الموالي أساساً لأبو ظبي التي كان قد فرّ إليها في بدايات الحرب. وفي هذا السياق، يتّهم مقرّبون من الرياض، ضباطاً إماراتيين، بالوقوف وراء عملية اقتحام المكتب السياسي لـ«المقاومة الوطنية» في تعز، بعد انزعاجهم من زيارة وفد عسكري سعودي لصالح. وفي المقابل، تحاول الإمارات، من خلال جهات دولية ولا سيما أوروبية، إخراج عبد ربه منصور هادي من السعودية حيث يقبع في الإقامة الجبرية منذ عزله. وفي المجمل، تريد الرياض إضعاف نفوذ «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي يترأسه عيدروس الزبيدي الموالي للإمارات، وفرض سيطرة «مجلس القيادة الرئاسي» الذي يترأسه رشاد العليمي الموالي لها.
وعلى رغم اتّساع الخلافات، وهي تشمل أيضاً صراعاً على استضافة مقارّ الشركات الأجنبية التي يريد ابن سلمان إجبارها على الانتقال إلى السعودية، بما يؤثّر سلباً على دور المركز المالي والتجاري والإقليمي الذي تلعبه دبي، إلا أنها لم تنتقل بعد إلى المستوى الرسمي المباشر، وهو ما يبقي احتمال أن تَجرى مصالحة في وقت لاحق قائماً، غير أنه حين يكون الهدف إلغائياً بهذا الشكل، تصبح المصالحة أصعب. الأمل الوحيد لابن زايد في تلك الحالة، هو اصطدام ابن سلمان بلا واقعية الأهداف التي يحدّدها، بالاستناد فقط إلى حجم بلاده الذي يظنّ أنه يتيح له التحكّم بسياسات كل دول الخليج، وهو أمل كبير بالفعل.