أكّد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أن “الانفتاح على العالم العربي ضروري، ومراجعة الأخطاء التي وقعنا بها حيال العرب عمومًا كذلك”.
وفي حديثٍ لـ”الشرق الأوسط”, أشار باسيل إلى أنَّ “المملكة العربية السعودية تنظر إلى الوضع من زاوية خاصة, والسفير وليد بخاري كان واضحاً في كلامه أن المملكة لا تضع فيتو على أحد, فهل فهموا كلامه على حقيقته؟”.
وأضاف, “النظرة التي يتعاملون بها مع الاهتمام العربي ضيقة, فالعرب يتابعون الوضع اللبناني، فإذا كان يسير على الطريق الصحيحة يساندوننا، أما إذا كررنا الأخطاء فسيبتعدون عنا, هل هذا مناسب؟”.
وتابع, “نحن عشنا هذه التجربة مع العماد ميشال عون، وقام بزيارته الأولى عندما انتُخب رئيسًا إلى السعودية قبل فرنسا وقبل الفاتيكان, وبالعكس، أتت النتائج سلبية, ومن هنا أنا أتعلم من هذه التجربة وأقاربها بطريقة مختلفة ولا أكررها”.
ولفت باسيل إلى أنَّ الحل في موضوع الانتخابات الرئاسية, “ينطلق، من وجهة من إدراك الجميع أنه, لا خيار لدينا، بسبب تركيبة المجلس النيابي وبسبب تركيبة البلد، والوضع المأزوم، سوى التوافق”.
ورأى أنَّ, “استمرار كل فريق بتحدي الآخر بمرشح، سيطيل الفراغ”.
ورغم مآخذه التي يرددها حول أداء “حزب الله”، يستبعد باسيل حدوث “طلاق” معه, ويقول: “نحن لا نستطيع أن يطلّق بعضنا بعضاً وطنياً, لأن كل عملية طلاق تنعكس بشكل سلبي على البلد, هناك خلاف كبير ويترجم بأن لكل طرف مرشحه الرئاسي، ولاحقاً إن التقينا بالمشروع، فنحن نلتقي من جديد”.
وأوضح باسيل أنَّ “الحوار متقدم مع بقية أطراف المعارضة للتوافق رئاسيا, وهذا الموضوع بدأت بالدعوة إليه منذ تموز من بكركي، وتأخرنا كل هذا الوقت من دون سبب، إلا العناد في مواقف لا يؤدي إلى نتيجة”.
وتابع, “للأسف، الوقت هو الذي يقنع الناس، ولكن الوقت اليوم مكلف, لقد تأكد أنه لا حل إلا بالاتفاق، وهذا ما جعل الحديث مع الفرقاء، الذي بدأناه منذ فترة طويلة، يتكثف راهناً، ويبين أن هناك نقاط تلاقٍ وتقارب، على الأسماء أو المقاربة أو المشروع”.
وعن إمكانية بناء “الثقة المفقودة” حياله من قبل أطراف المعارضة، يرد باسيل بمعادلة مقابلة< “فكل طرف يستطيع أن يزايد على الآخر، بمسألة من فقدت الثقة عنده أكثر، ولكن هذا الأمر يوصل إلى أين؟ فأنا باستطاعتي التذكير ماذا فعلوا في العهد طوال ست سنوات، ولكن ماذا ينفع؟ من هنا يجب أن تكون لدينا القدرة على النظر إلى الأمام، ونظهر بأننا لو لم نكن متفقين على كل الأمور، إنما أقله نحن متفقون على أمر فيه خير للبنان”.
ورأى باسيل أنَّ, “المشكلة الأساسية تبقى في صياغة المشروع المستقبلي للبلاد, ولا يخفى على أحد أننا مختلفون على المشروع، في السياسة الخارجية والاستراتيجية الدفاعية، والسياسة النقدية والمالية، وكذلك في الإصلاحات والاقتصاد, وخلافاتنا كثيرة وتتمحور حول عناوين عدة من بينها النظام”.
وأضاف, “لكن نحن اليوم في انهيار، من هنا علينا الخروج من هذا الانهيار ليستمر البلد ونرى كيف سنطوره. وهذا الأمر يستوجب اليوم تصرّفًا استثنائيًّا في ظرف استثنائي, والمشكلة هي أن التصرف عادي في ظرف غير عادي من قبل الجميع بمن فيهم فريق الممانعة (حزب الله وحلفاؤه) الذي اعتبر أنه ربح في المنطقة ويريد تكريس ربحه في لبنان، ولكن هل هذا الأمر مفعوله إيجابي على الوضع الداخلي؟ ألا يجب أن ينتظر ربح المشروع الداخلي؟ ماذا ينفع إن ربحنا المشروع الخارجي وبلدنا مدمر ولا نقوم بأي خطوات لترميمه ولنوقف هذا الدمار؟ نريد وطنا مقاوماً، ليس فقط بالسلاح، إنما باقتصاده و بكرامة شعبه. إن هاجر كل شعبه، فماذا أربح؟ وماذا يهم الربح على إسرائيل، وبات البلد فارغا من شعبه؟”.
وأشار باسيل إلى أنَّ, “الفريق الآخر الذي يقول إنه يريد كسر مشروع حزب الله بالقوة، ولا يمتلك الوسيلة البرلمانية النيابية العددية، ولا يمتلك القوة اللازمة، في وقت يمكن فيه أن تحل هذه القضية بطريقة أخرى, الكسر اليوم لا يفيد”.
وتابع, “نحن نتفق معهم على كثير من المواضيع، ولكن إن رأى هذا الفريق أن الأولوية هي في الاتفاق على مشروع إنقاذي، ولو ممرحلا، يأتي من خلاله الرئيس، فيجب أن تكون المقاربة والتصرف مختلفين”.
وقال: “الظرف يحكم كيفية التصرف، ونحن قد قاطعنا الانتخابات الرئاسية لسنتين ونصف السنة في المرة الماضية، ولكن الظرف الاقتصادي والمالي كان مختلفاً عن اليوم, فاليوم هناك نزف بشكل كبير وهجرة يومية لن نتمكن من معالجتها, هناك نزف مالي من أموال المودعين، لا يمكن استعادتها, من هنا الخسارة اليومية على الكيان، على لبنان كبيرة جداً. كلفة التأخير كبيرة جداً”.
واستكمل, “المشروع أهم من اسم الرئيس، لأن الرئيس من دون مشروع يفشل, ولا يمكن أن نقول نريد الإصلاح ونأتي برئيس منغمس بالفساد، وليس لديه مشروع أو تطلعات، ولا حتى برنامج, وأكثرية المرشحين اليوم والمتقدمين لموقع الرئاسة لا نعرف شيئًا عن رأيهم الاقتصادي، ولا يملكون أي تصور إصلاحي أو مفهوم قانوني لإعادة تركيب الدولة”.
ويرفض باسيل “الاستسلام” لفكرة وجود استحالة للإصلاح في لبنان، ويقول: “في ظل التهدئة في المنطقة هذا الأمر يساعدنا على إيقاف سياسة التحديات والخوف من الآخر، وهناك دائما فرصة للإصلاح”.
وأكّد باسيل أنَّ, “التواصل مع فريق “الممانعة” ليس مقطوعاً, ولكن المهم أن يكون هذا التواصل بهدف الوصول إلى نتيجة، وليس تمسك كل طرف بموقفه”.
وقال: “هم يعتبرون أنهم يريدون الاتفاق ويقولون نحن لدينا مرشحنا، قدموا مرشحكم, هذا حقهم ولكن واجبهم إن حصل هذا الشيء أن يتعاطوا معه بإيجابية وليس بسلبية ونحن واجبنا أن نتعاطى معهم ومع غيرهم بإيجابية أيضاً وليس بسلبية، ونؤكد أننا لدينا الرغبة والقدرة والثقة وما يكفي من عناصر لنستطيع القيام بهذا الأمر”.
وشدّد باسيل على, “ضرورة تطوير الدستور, نحن مع الطائف ومتمسكون به، ولكن هذا لا يمنع تطويره، بتنفيذه أولا من ضمن آليته ومن دون إخلال بتوازنات البلد وبالمبادئ الأساسية المكونة له، وبإزالة أدوات التعطيل من دون زيادة صلاحيات طرف أو إنقاص صلاحيات طرف آخر وعدم الاعتداء على مكون أو على طائفة، وحل أمور إجرائية يومية، تبرهن على أن الدستور يطور نفسه، وأن له الفاعلية اللازمة، مثل اللامركزية ومجلس الشيوخ والدولة المدنية”.
وأكّد باسيل على “ضرورة ملحة للخروج من المعادلة السلبية، التي تقول لا للغرب ولا للشرق، وتحويلها إلى معادلة إيجابية نعم للشرق ونعم للغرب. وهذا يدل على طبيعة لبنان وموقعه الجغرافي والدور الذي يجب عليه أن يلعبه، من دون أن يتخلى لبنان عن ثوابته الأساسية التي تحميه وتحفظه بوصفه كيانا, وعلى ضرورة الحفاظ على خصوصيته التي ترتكز على التنوع والاعتراف بالآخر، والشراكة الكاملة بالحكم”.
وأضاف, “هذه الخصوصيات هي التي تعطيه مناعة داخلية, حيث لا سيطرة من فريق على آخر، ولا استئثار ولا تهميش، وهذا اللبنان بنعم للشرق والغرب، يعيش متآلفا مع محيطه، أولا بالمشرقية الاقتصادية مع سوريا والأردن والعراق, وثانيا بالتكامل بمميزات اقتصادنا مع الخليج العربي، ونستطيع في الوقت عينه أن نكون في علاقة جيدة بإيران وتركيا ومصر، وأن تكون عامل جذب وعامل خير، وليس دائما عامل صراع”.
ورأى باسيل أن, “الفرصة السانحة اليوم هي هذه السياسة الثورية بالمعنى الإنمائي والاقتصادي التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المنطقة, وكل الشباب معه في بلده, وأنا ماذا أريد أكثر من نفحة الأمل والحداثة والعصرنة لأقول إن هذا ما أريده للبنان، هذا دوره؟ اليوم المنطقة سبقتنا، وعلينا اللحاق بركبها”.
واعتبر باسيل أن, “لبنان قادر على أن يكون مزيجا بين نموذجي هانوي (الثوري) وهونغ كونغ (الاقتصادي), بمعنى المقاومة والإنتاجية, ويمكن أن يكون هانوي، وأن أذهب إلى هونغ كونغ ولكن مع الحفاظ على الديمقراطية وعناصر القوة التي تحمي، وبعدها تقول أريد أن أصبح على نموذج كونغ مع إنتاجية وعدالة اجتماعية, وعليك أن تكون مرناً وتتعاطى مع المراحل كما تقتضي مصلحة بلدك, ومنسوب هونغ كونغ في المعادلة عليه أن يزيد لكون المقاومة تنتصر ويجب التوجه إلى مزيد من الإنماء وزيادة منسوبه على حساب السلاح”.
وعن التجربة المرة خلال عهد الرئيس عون إذ لم تتركوا صاحبا لكم، ولم يترككم أحد لتقوموا بإنجاز؟ يقول باسيل: “مهما حصل نحن لسنا حاقدين، لأن الحقد يقتل صاحبه ويقتل البلد، والبرهان أننا قلنا إننا سامحنا سليمان فرنجية رغم كل ما قام به تجاهنا خلال الست سنوات، لكن هذا الأمر لا يجعلنا نؤيده بصفته صاحب مشروع لا نرى فيه الخلاص, والأمر نفسه في المقلب الثاني مع القوات اللبنانية، نحن نعتبر أنهم طعنونا، ولكن بالنظر إلى المستقبل نسامح، ونقول نحن ملزمون، بعضنا ببعض, ومع توسيع قدرة التفاهم أكثر ينعكس هذا الأمر على مجتمعنا. والأمر نفسه بالنسبة للمكونات الأخرى وليس فقط للمسيحيين”.
أما فيما يخص “حزب الله”، فيقول باسيل: “نحن اليوم مجروحون كثيراً من حزب الله والجرح عميق لكن في النهاية نحن نعيش معا، ونريد أن يفهم بعضنا بعضاً ونجد حلولا, وعندما أنظر اليوم إلى المقابل، المكون الشيعي يشعر بالقوة، وأنا أريده أن يكون قوياً وليس ضعيفاً. ولكن لا أريد أن يشعر بالمقابل مكون آخر وهو المكون السني بالضعف, ومصلحتنا أن نؤمن هذا التوازن داخل المجتمع المسيحي والمجتمع المسلم وبين المسلمين والمسحيين، لأن لبنان عندما يفقد هذه التوازنات الداخلية يخرب”.
في ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أكّد باسيل أنه, “نفرح اليوم لعودة سوريا إلى الجامعة العربية لأن هذا انتصار، وانتصار سوريا على الإرهاب هو انتصار للبنان, لو خسرت أمام الإرهاب خسر لبنان, وكل هذه الخيارات هي خيارات ربح. وفوق كل ذلك أتت المملكة العربية السعودية لتحضنها وتردها إلى الجامعة, هذه هي الفرصة المضاعفة، هي بمثابة ربح على ربح”.
وفي ملف النازحين لفت إلى انَّ, “ما يحصل في المنطقة يساعد في عودة النازحين، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى قرار من الدولة اللبنانية، فهي لا تستطيع أن تكمل بالسياسة نفسها، وعليها أن تستفيد. حل هذه المشكلات يمر حكما بإعادة الإعمار في سوريا، بعودة النازحين، وعلينا أن نكون جزءاً منها وليس مجرد متفرج أو متلقٍ, ونحن جزء من صياغتها، من خلال اعتماد سياسة وطنية تلقى هذا التفاهم الإقليمي, وبعكس الأردن وتركيا اللذين فرضا طلباتهما بملف النازحين، فإن غياب الدولة اللبنانية أدى إلى غياب القرار من هنا الحاجة الأكبر لرئيس حكومة ولحكومة تأخذ القرار وتغير السياسات المعتمدة”.
ورأى أنَّ, “عودة النازحين يمكن أن تتم من خلال التوقف عن تمويل بقائهم، أو تمويل عودتهم، وأن تقمع الدولة المخالفين للقانون, وأوروبا تقوم بالسياسة التي تناسبها، لكن لا يمكن القبول بحل مشكلتها على حسابنا”.
وحول العقوبات الأميركية, قال باسيل: “لا أعرف هل أدرك الأميركيون إلى أي مدى أضرت سياسة العقوبات بهم، خسروا أناساً كان من الممكن أن يكونوا أصدقاء. وضعوا مجموعات ودولا خارج نظامهم المالي”.
واعتبر أنَّ, “سياسة العقوبات إجمالا لم تأت بالنتائج المتوخاة منها أميركيا. على سبيل المثال قسم كبير من الشيعة في لبنان ولأنه تم تهديدهم بالعقوبات أخرجوا أموالهم من النظام المصرفي في لبنان، وحموا أموالهم بهذه الطريقة (بعدما حجزت المصارف أموال المودعين), والدول التي فرضوا عليها عقوبات ولا سيما بعد أزمة أوكرانيا، أجبروها على التفتيش عن نظام بديل عن النظام المصرفي الأميركي”.
وأشار باسيل إلى أنَّ, “إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قامت بمراجعة جدية لموضوع العقوبات، مستذكرا كيف تعاطت مع إيران في الاتفاق النووي ومع العراق ومع كوبا, ولا أحد يستطيع أن يفرض علينا أن نختلف مع حزب الله، ونحن نختلف معه عندما نرى أن مصلحة لبنان تقتضي هذا الأمر, عندما فرضوا علينا لم نقبل، ولكن عندما حصلت أمور تقتضي أن نختلف اختلفنا مع حزب الله”.
ورداً على سؤال عن أن الأميركيين لم يحاسبوه على علاقته بـ”حزب الله” إنما على تهم فساد، قال باسيل: “الجميع يعرف أن تهم الفساد غير حقيقية، تحديناهم، ولم يثبتوا شيئا, وكل الإجراءات التي نقوم بها لنثبت أن ليس هناك شيء يبرر العقوبات”.