كتبت النهار
أضحت التهديدات الإسرائيلية للبنان بمثابة التقليد وكأنها الخبز اليومي، ولا سيما منذ سبعينيات القرن الماضي، إبان وجود منظمة التحرير الفلسطينية أو “فتح لاند” آنذاك، لكنها تنامت وتفاعلت بعد صعود “حزب الله”، إذ بعد التحرير عام 2000، إلى حرب تموز في عام 2006، وراهناً، التهديدات الإسرائيلية مستمرة فحيناً يلوّحون بضرب البنى التحتية وتدميرها كلياً، ومؤخراً بعودة لبنان إلى العصر الحجري، ليأتي تصريح السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد أردان الذي لوّح بعملية عسكرية وشيكة ضد لبنان، قائلاً إن إسرائيل لن تكون قادرة على الاستمرار والتحمّل مع تكثيف الانتهاكات من قبل لبنان على الحدود الشمالية، فيما طلب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالنت من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، تدخل المنظمة الدولية لوقف التوترات على الحدود مع لبنان.
في السياق، يتساءل الكثيرون هل هذه التهديدات جدية، أم تأتي غبّ الطلب، ووفق الحاجات السياسية في الداخل الإسرائيلي لرفع الشعبوية والخروج من أزمات هذا المسؤول وذاك، فضلاً عن أن التجارب الماضية تصبّ في هذا الإطار من خلال المواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” في بعض المحطات من خلال قصف محدود ضمن قواعد الإشتباك وعدم تخطّي ذلك إلى ما يشبه حرب تموز أو أي معركة عسكرية على غرار ما كان يحصل قبيل التحرير وبعده، إضافة إلى أنه بعد الترسيم البحري ومع وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين للسعي لترسيم الحدود البرية، فلماذا هذه التهديدات الإسرائيلية في هذا التوقيت بالذات، وربطاً أيضاً مع ما يجري في الأمم المتحدة من شدّ حبال حول التجديد لقوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” العاملة في الجنوب اللبناني؟
العميد الطيار المتقاعد في الجيش اللبناني بسام ياسين، يبدي لـ”النهار”، استغرابه كيف أنه، في ظل انطلاق عملية استخراج الغاز في البلوك رقم 9، يأتي الحديث عن تهديدات إسرائيلية وحصول حرب في الجنوب وسوى ذلك من التحليلات والقراءات السياسية، “فباعتقادي، ومن خلال المعطيات والخبرة، كل ما يحدث اليوم إنما هو مناورات سياسية وزكزكات، والأمور مضبوطة وممسوكة من قبل طرفي الصراع، فلا إسرائيل في ظل ما تعانيه في الداخل من أزمات تسعى لشن حرب على لبنان، بل جلّ ما تهدف إليه هو رفع منسوب الشعبوية للحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها تحديداً، والإشارة في الوقت عينه إلى أن “حزب الله” يشكل خطراً داهماً على الداخل الإسرائيلي أو الحدود الشمالية لإثارة العواطف وشدّ العصب، فيما على الخط الآخر، أرى أن “حزب الله” ليس بوارد القيام بعمل عسكري وفتح حرب على إسرائيل، حيث المعطيات والأجواء تغيّرت وتبدّلت عن عام 2006، ولهذه الغاية، فإن التلميح إلى عملية عسكرية قريبة كما أشار إلى ذلك بعض المسؤولين الإسرائيليين، يأتي في خضم المناورات السياسية ومن باب التهويل ليس إلا، فظروف وأجواء الحرب في هذه المرحلة غير مؤاتية لكلا الطرفين”.
ويستهجن العميد ياسين تلويح إسرائيل بعودة لبنان إلى العصر الحجري، “فذلك أمر مضحك مبكٍ في مثل هذه الظروف التي يجتازها لبنان، لأنه من خلال انحلال الدولة ومؤسساتها ومرافقها وتفكك أوصالها والانهيار الاقتصادي وظروف الناس المزرية، فلبنان يعيش في العصر الحجري وليس لديه ما يخسره على الإطلاق، وربطاً بهذه المعطيات والأجواء الراهنة، ليس هناك من حرب إسرائيلية ستُشنّ على لبنان، في ظل هذه المؤشرات على صعيد الترسيم البحري وبدء استخراج الغاز، فكيف يمكن القول إننا مقبلون على حرب وعودة البلد إلى العصر الحجري وتدمير بناه التحتية، فيما السؤال ماذا بقي في لبنان لنخسره؟”.
بدوره يرى الباحث الاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر، “أن الحديث عن حرب غير وارد، وما أثير له صلة بالتمديد لقوات “اليونيفيل” من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي، فيما إسرائيل لديها مشاكل في الداخل، إلى جهوزية الاحتياط غير المتوفرة”، مؤكداً أن الجبهة اللبنانية منذ ما بعد عام 2006 هي الأهدأ في المنطقة عبر القرار 1701، و”حزب الله” لديه أجندات أخرى في سوريا والعراق واليمن، ويدرك سلفاً أنه إذا دخل في أيّ حرب فسيواجَه ضمن بيئته الحاضنة وعلى مستوى اللبنانيين، ربطاً بالأوضاع الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان واللبنانيون، فضلاً عن مسألة أخرى هي من سيعيد إعمار لبنان إذا شُنّت حرب بين إسرائيل و”حزب الله”؟ فالمملكة العربية السعودية التي أعادت إعمار الضاحية، والأمر عينه لغالبية دول مجلس التعاون الخليجي، هل هي مستعدّة لهذه الخطوة من جديد؟ قطعاً لا في ظل المتغيّرات التي حصلت، وكل ما قام به “حزب الله” في الخليج ودعم الحوثيين وحملاته على المملكة، ما يؤكد المؤكد، بأن هذه التهديدات هي مناورات سياسية لا أكثر ولا أقلّ”.