فراس الشوفي – الأخبار
في اليوم التالي لصدور قرار التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب، طُويت صفحة الأوهام الغربيّة واللبنانية لهذا العام. والسّعار الدبلوماسي والأمني الذي أبداه ممثّلو العدوّ وحلفائه، لم يوصل إلى تحقيق هدف تحويل «اليونيفل» إلى قوة احتلال في جنوب لبنان.
بعيداً من محاولات الإعلام الإسرائيلي تصوير ما حصل في مجلس الأمن تقدّماً بالنقاط على لبنان، إلّا أن وقائع الاتصالات تؤكّد غضب العدو من الصيغة الأخيرة، ومن الموقفين الرسمي والعملياتي لليونيفل، اللذيْن أعقبا قرار التمديد.
وبحسب معلومات «الأخبار» فإن ممثّلي جيش العدو يتواصلون مع قيادة قوات اليونيفل، ويمارسون ضغوطاً عليها لإصدار موقفٍ معاكس للموقف الرسمي الذي صدر عن الناطق الرسمي باسمها أندريا تيننتي، حين أكّد على استمرار تنسيق القوات الدولية لتحركاتها في الجنوب مع الجيش اللبناني كما هو الحال منذ عام 2006، وعلى احترام السيادة اللبنانية.
ورغم الضغوط الهائلة التي مورست على ممثّلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وعلى الوفد اللبناني، أكّدت وقائع الأيام الأخيرة، أن مصالح الدول المعنيّة أقوى من رغبات العدو وحلفائه البريطانيين والأميركيين. لأن وجود المقاومة في الجنوب وقوّتها العسكرية، وتماسك العضد الشعبي خلفها في منطقة جنوب الليطاني، كلّ ذلك شكّل عاملاً أساسياً في تشكيل مواقف الدول، وخصوصاً تلك التي لديها جنود على الأرض، ورفضها أيّ تصعيد ضد لبنان.
صيغة القرار كما صدر، لا تشكّل الحل المثالي لأي دولة تملك الحدّ الأدنى من الكرامة الوطنية. فغالبية طلبات الوفد اللبناني لم تُلبّ، ولا سيّما في التأكيد على احتلال جيش العدوّ لشمال بلدة الغجر أو خراج بلدة الماري كما يطالب لبنان، أو للتراجع عن بند حريّة الحركة من دون مواكبة من الجيش اللبناني. إلّا أن إضافة جملة «التنسيق مع الحكومة اللبنانية»، نسفت عمليّاً نتائج قرار العام الماضي، الذي حاول فرض قيام «اليونيفل» بمهام منفردة، تستهدف في العمق الدخول إلى «الممتلكات الخاصة» ومن خلفها مواقع مفترضة للمقاومة، أو كونتينيرات «أخضر بلا حدود» خدمة للأجندة الإسرائيلية، وهو ما لم يحصل أصلاً.
فلا أحد كان ينتظر تعديلاً أو حذفاً في نصّ القرار الصادر عن مجلس الأمن في العام الماضي ضمن معادلات القوة الحالية في نيويورك، ولكن إضافة جملة أو فكرة إلى نص القرار، منحت مخارج للدول التي صعدت على هذا السلّم العام الماضي، ولديها ما تخسره في جنوب لبنان، على عكس الأميركيين والبريطانيين.
الجملة التي أضيفت بعد استشعار الفرنسيين والألمان خطورة استمرار القوّات الدولية بمهامها في موضوع التنسيق مع الحكومة، تؤكد استمرار التزام «اليونيفل» باتفاقية «صوفا»، التي تتضمّن نصّاً واضحاً حيال التنسيق المباشر مع الجيش في أي تحرّك، مهما بلغ عدد النشاطات اليومية، والتي قد تصل إلى 420 مهمة متعدّدة.
رفضت الدول الأعضاء في قوات «اليونيفل» الأخذ بطلبات العدو تفادياً لأي توتّر في مناطق عملها
بالمناسبة، منذ عام 2006 وحتى اليوم، تنسّق «اليونيفل» عملها مع الجيش، من دون أن يعني ذلك مواكبة الجيش لها في كل تحركاتها، لعدم قدرة الجيش على القيام بهذه المهمة. وفي المرات القليلة التي قامت فيها وحدات من «اليونيفل» بخرق هذا البروتوكول واستخدام مسارات غير مصرّح عنها، (والتي حصل بعضها بالصدفة، أو غالباً تكون خدمات مطلوبة من العدوّ الإسرائيلي الذي حاول ويحاول إحداث خروقات أمنية في بنية بعض الكتائب الدولية)، كان الثمن حصول حوادث مع الأهالي، ما استدعى تدخّلات سريعة من الجيش.
حالياً، يتعرّض قائد القوات الدولية الجنرال الإسباني أرولدو لازارو ساينز، لحملة انتقادات من قبل قيادات العدو، تحاول أن ترمي عجزها وفشلها في إزالة الخيمتين اللتين نصبتهما المقاومة في منطقة مزارع شبعا المحتلة على لازارو، بسبب عدم قيام «اليونيفل» بما تطلبه إسرائيل والتحرّك بقوّة ضد الخيمتين. فالجنرال الإسباني، مسؤول عن حوالي 12 ألف موظف عسكري ومدني، بينهم ما لا يقلّ عن ستّة آلاف جندي أوروبي، ومنهم حوالي 900 جندي إسباني، ما يجعل لازارو، أو أي قائد آخر يملك الحدّ الأدنى من المنطق، يفكّر عشرات المرات قبل زجّ قواته في معركة ليست معركته، إذ إن المهمة الأساسية لقوات الطوارئ الدولية هي الحفاظ على الهدوء في الجنوب وخفض التوتر، لا التحوّل إلى مصدر له. وإذا كانت إسرائيل، تريد إزالة الخيمتين، فلا يمكن أن تنتظر قيام «اليونيفل» بهذه المهمّة، بل عليها هي «التهوّر» وتكليف قواتها بمهمة من هذا النوع.
الغضب الإسرائيلي من الخيمتين والشعور بالعجز لدى جيش الاحتلال عن إيجاد حلّ لهما من دون ضمانة بعدم حصول تصعيد عسكري كبير، دفعا العدوّ إلى العودة للاجتماعات الثلاثية في الناقورة، بالإضافة إلى دور موفد الرئيس الأميركي عاموس هوكشتين وزيارته الأخيرة لفلسطين المحتلّة ولبنان.
وعلمت «الأخبار» أن اجتماعاً سرياً وفق صيغة اجتماعات الناقورة الثلاثية، عُقد بطلب من العدو، بين وفد عسكري لبناني مصغّر (استثني منه مندوب مخابرات الجيش) ووفد مصغّر من جيش العدو، برئاسة لازارو (شارك وحدَه في الاجتماع ممثّلاً عن «اليونيفل»)، لبحث مسألة الخيمتين ومعالجة النقاط الـ 13 العالقة على الخط الأزرق والحدود مع فلسطين المحتلة. وجاء طلب العدو بعقد الاجتماع، بعد رفض حضور اجتماع سابق اعتراضاً على تمسّك الوفد اللبناني بنقطة الـ«B1» في الناقورة خلال الاجتماع العلني الأخير قبل نحو شهرين، على أن يُعقد اجتماع شبيه، الأسبوع المقبل في الناقورة. كما علمت «الأخبار» أن هوكشتين، يحمل رسالة من العدوّ حول استعداده لحلّ الأمور العالقة على الخط الأزرق ما عدا مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو استطلع بشكلٍ واضح من المسؤولين اللبنانيين عن موقف المقاومة واستعدادها للحلّ أو العرقلة.