التباين بين التوقعات النظرية ونتائج الاختبارات في مشروع ضخم لأبحاث النيوترينو قد تكون علامة على جسيم نيوترينو عقيم ومحير، وهو جسيم هادئ جدًا، يمكن استشعاره فقط من طريق الصمت الذي يخلفه وراء مساره.
إنها ليست المرة الأولى التي يُرى فيها هذا الجسم الغريب، فقد ألمحت بعض البيانات لاختبارات سابقة إلى شيء غريب في عالم أبحاث النيوترينو. فقد رُصد في هذه الأثناء في اختبار باكسان على التحولات العقيمة المسمى (BEST).
يوجد دليل واضح أن النيوترينو المفترض يمكن أن يقدم للفيزيائيين مرشحًا قويًا للمصدر الغامض للمادة المظلمة في الكون. وعلى الجانب الآخر، من الممكن ببساطة أن تشير إلى المشكلات في النماذج المستخدمة لوصف السلوك الملتوي للنيوترونات التقليدية، التي بدورها ستكون لحظة فارقة في تاريخ الفيزياء.
علق ستيف إليوت من مختبر لوس ألاموس الوطني: «النتائج شيقة جدًا، الأمر يؤكد الانحراف الذي لاحظناه بشكل قاطع، ولكن تفسيره ما زال غامضًا. النتائج متضاربة حول هذا النيوترينو العقيم. في حال أشارت النتائج أن مبادئ الفيزياء النووية أو الذرية مفهومة بشكل خاطئ، سيكون ذلك شيقًا جدًا أيضًا».
على الرغم من كونها من أكثر الجزئيات وفرة في الكون، فإن الإمساك بها يُعد صعبًا للغاية، إذ يكاد أن لا تكون له كتلة، ولا شحنة له، ما يجعل وجوده معروفًا فقط بالقوة النووية الضعيفة، إذ من السهل جدًا أن ينسل عبر أكثر المواد كثافة دون أي إعاقة.
ليست تحركات النيوترينو غير المرصودة فقط ما يجعلها ملفتة، بل كل موجة كمومية للجزيء تتشكل في تحركاتها، متأرجحًة بين الخواص أو السمات التي تحاكي أقاربها من الجزيئات ذوات الشحنات السالبة- الإلكترون والميون والتاو.
وجدت دراسة لذبذبات النيوترينو بمختبر لوس ألاموس الوطني في التسعينات من القرن الماضي فجوات في توقيت التأرجح ما جعله يترك مكانًا لسمةٍ رابعة، التي لا تُحدث إلا تموجًا طفيفًا في المجال الذري الضعيف.
متخفيةً بِصَمْتها، السمة العقيمة للنيوترينو لا ينفضح أمرها إلا بسكون طفيف في تأثيراتها.
مكان اختبار (BEST) محمي من مصادر النيوترينو الفضائية على عمق ميل من الصخور في جبال القوقاز الروسية. يتميز أيضًا بوجود خزان مزدوج مملوء بغاليوم سائل الذي يلتقط النيوترونات المنفجرة من قلب الكروميوم المشع.
بعد قياس كمية الغاليوم المتحولة إلى نظير الجرمانيوم في كل خزان، يستطيع الباحثون عكس العملية لتحديد عدد الاصطدامات المباشرة مع النيوترينو أثناء تذبذبها من خلال سمتها الإلكترونية.
على غرار انحراف الغاليوم الخاص بتجربة لوس ألاموس، تمكن الباحثون من حساب نسبة أقل من خُمس إلى ربع الجرمانيوم المتوقع، ما يشير إلى عجز في الأعداد المتوقعة للإلكترونات النيوترونية.
الأمر لا يؤكد بشكل قاطع أن النيوترينو يتبنى سمة عقيمة، إذ توجد أبحاث أخرى كثيرة من أجل هذا الجزء الباهت ولم تجد تفسيرًا، ما يشير إلى احتمالية أن النماذج المستخدمة لتوقع هذه التحولات مضللة إلى حد ما.
الأمر بحد ذاته ليس بالخبر السيئ. التصحيحات في الإطار العام للفيزياء النووية قد يترك تشعبات كبرى، على إثرها قد تظهر فجوات في النماذج القياسية التي بدورها قد تقدم تفسيرات لألغاز علمية كثيرة.
إذا ما اعتبرنا أن هذه هي علامات النيوترينو العقيم، فقد نحصل على دليل على مادة موجودة بكميات مهولة، ومع ذلك فهي لا تُحدث غير نقرة جاذبية صغيرة في نسيج الفضاء.
أكان الأمر هو مجموع المادة المظلمة أو جزءًا بسيطًا من أُحجيته، فيعتمد ذلك على التجارب اللاحقة على هذا الجزيء الملقب بالشبح.