كتبت النهار
منذ أسابيع عدة، عاش المشهد السياسي الداخلي على وقع حيوية سياسية مكثفة يواكبها حراك غير مسبوق بدا في بعض الأحيان كأنه سباق وتنافس ليس إلا. وكان عنوان هذه الحيوية إسراع كل فريق الى تقديم مبادرة سياسية هدفها المعلن طيّ صفحة الشغور الرئاسي التي امتدت أكثر من عام ومرشحة لامتداد أبعد في ظل انسداد الآفاق السياسية. وبناءً على ذلك ثمة من سمّى تلك المرحلة موسم الهجرة الى المبادرات والعروض الرئاسية، ولكن رياح الأمور ما لبثت أن انتهت الى ما يشبه القناعة بأنه يسهل حمل مبادرة ولكن ليس من السهولة واليسر ترجمتها الى فعل ينهي الأزمة التي يقرّ الجميع بها.
والمعلوم أن “التيار الوطني الحر” مع تكتله النيابي قد خاض مع الخائضين ووضع مبادرة وشاء أن يجول رئيسه جبران باسيل بها على كل المعنيين من دون استثناء، مريداً لها أن تكون جسور عبوره الى مرحلة مختلفة بدأ يكشف عن طموحه الى بلوغها منذ زمن.
لم تكن مبادرة التيار البرتقالي الأولى من نوعها، إذ سبقه كما هو معروف طرفان أطلق كل منهما مبادرته. كتلة الاعتدال الوطني التي حملت باكراً أي قبل نحو خمسة أشهر مبادرتها وكان لحراكها الصدى الأكبر المدوّي ولا سيما أنها كانت أول من طرح عرض “الخيار الثالث” وأوجد حلاً مبدئياً لمسألة الحوار.
ومبادرة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة رئيسها تيمور جنبلاط كان لها أيضاً حيّز ولو أقل من الاهتمام خصوصاً أنها كانت في العمق إطلالة جنبلاطية مميزة الى عالم الحوار والتلاقي بعدما بدا جنبلاط الابن طوال فترة طويلة مستنكفاً عن هذا الأمر أو رافضاً له.
وبالعموم بدت المبادرات الثلاث أن لها قواسم مشتركة يجمعها:
– أنها تجنح الى القبول بمبدأ الخيار الثالث الذي يلغي مرشحين سابقين سبق أن أجريا مبارزة بينهما عبر صندوقة الاقتراع في المجلس النيابي ولم يكن لأي منهما غلبة مطلقة تلغي الآخر وتؤمّن الفوز لواحد منهما.
– أن هذه المبادرات الثلاث وإن كانت تأتي من خلفيات مختلفة فإنها تريد في العمق أن تمارس ضغطاً مشتركاً على الثنائي الشيعي عنوانه العريض أنك لن تجد طرفاً آخر يسير معك في خيارك الرئاسي المعروف سلفاً لذا ليس له حظ وفرصة فلتسر معنا في رحلة الاتفاق على مرشح ثالث وسطي أو فلتتحمّل تبعة التعطيل.
– أن المبادرات الثلاث أعطت انطباعاً فحواه أن ثمة إرادة ترفض أن يوضع موضوع الاستحقاق الرئاسي على الرف الى أجل غير مسمّى وأن وراءه من يسعى الى تحريكه دوماً.
وإن كانت كتلة الاعتدال الوطني سبّاقة في طرح مبادرتها، فإنها بدت أخيراً أول اليائسين من نجاحها وأول المستعدين لطيّها وسحبها وتجميدها. فعلى لسان أحد أبرز أعضائها سجيع عطيّة ورد قبيل أيام أن الكتلة قد جمّدت المبادرة، لكن سرعان ما ظهر رأي آخر من الكتلة نفسها معاكس، بل إنه يؤكد أن الكتلة هي في صدد تطوير المبادرة توطئة لإعادة عرضها على من يلزم.
وفيما يبدو “اللقاء الديموقراطي” وكأنه قرر الانسحاب بهدوء ورويّة من الموضوع، فإن التيار الوطني الحر بدا متفائلاً بعض الشيء ومصمّماً على استئناف ما انطلق به، وأنه سيشرع في القريب في المرحلة الثانية من تسويق مبادرته الرئاسية بعدما أخذ الوقت اللازم لتقييم المرحلة الأولى وغربلة نتائجها.
وفي هذا السياق يقول عضو تكتله النيابي غسان عطا الله “نحن فعلاً أنهينا المرحلة الأولى من مراحل تسويق مبادرتنا الرئاسية، إذ إننا حملناها الى كل القوى والمكوّنات السياسية وعرضناها عليهم بكل شفافية وصراحة وسمعنا من بعضهم ملاحظات أولية. وقد عدنا من جولتنا تلك بحصيلة أولية أظهرت لنا أمراً أساسياً وهو أن الأجواء الى حد بعيد جيدة وإيجابية، وأن الكل يستشعر الحاجة الى عروض وأفكار ورؤى تسمح بالخروج من الوضع السابق المتصف بالجمود وتبادل الاتهامات بالتعطيل والعرقلة. ولا نغالي إذا استنتجنا أنه حتى الذين كانوا يرفعون شعار الاعتراض سلفاً على مبادرتنا وحراكنا، بدأوا بعد اللقاء معهم يعيدون النظر في الموضوع بطرق شتى ولكن على نحو مغاير لنظرتهم السابقة”.
وبمعنى آخر، يستطرد عطا الله، “نحن نشعر بأن ثمة اقتناعاً بدأ يترسّخ أكثر فأكثر بضرورة التلاقي والحوار والبحث جدياً عن مساحة وسطية”. “واقع الحال المعتدل هذا”، يضيف عطا الله، “هو ما نراهن على الوصول إليه في يوم من الأيام ونريده أن يكبر ليكون الحل المنشود لإنهاء عهد الشغور الرئاسي الذي طال وكانت له تداعيات بالغة السلبية”.
ورداً على سؤال أجاب: “لقد بدأنا في التيار والتكتل مناقشة أفق المرحلة الثانية من مبادرتنا وكيفية الولوج إليها على نحو يعزز فرص النجاح”.
وعن مستقبل العلاقة مع الرئيس نبيه بري؟ أجاب عطا الله: بإمكاننا أن نقول إن علاقتنا مع دولة الرئيس بري باتت علاقة ممتازة. والأمور بالنسبة لنا تسير بالشكل الذي نريده أي على النحو الطبيعي، وهناك تنسيق وتواصل مستمر بيننا وبينه يتناول كل الملفات والأمور نراها ميسّرة وإيجابية.