الرئيسية / متفرقات / هل يمكن أنقاذ لبنان من نفسه؟

هل يمكن أنقاذ لبنان من نفسه؟

نشرت في صحيفتي “القدس العربي” (لندن) و”البناء” (بيروت)
تاريخ 2022/8/15

السؤال المزمن :
هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه ؟
د. عصام نعمان

قد يكون للبنان اعداء كثر ، لكن أشدهم ضراوةً هو لبنان نفسه. نعم ، لبنان بتعدديته المرهقة ، وعصبياته الطائفية الشرسة ، وأهل سلطته (او سلطاته) الفاسدين هو عدو نفسه بإمتياز .
ضمّني اخيراً إجتماع مع خمسةٍ من القياديين الوطنيين التقدميين المستقلين سياسياً وتنظيمياً عن الأحزاب والتكتلات والإصطفافات التي تُمسك حالياً بما تبقّى من الهياكل المتهالكة لنظام المحاصصة الطوائفية الذي يرتع فيه “لبنان الكبير” مذّ هندسته سلطات الإستعمار الفرنسي قبل نحو مئة سنة . القياديون المتحاورون فكروا وبحثوا وحاولوا في إجتماعهم الإجابة عن سوال مزمن : هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه ؟
بعد ثلاث ساعات من المطارحات والمناقشات ، يمكن تلخيص الأفكار التي أُبدِيت والخلاصات التي أمكن التوصل اليها على النحو الآتي :
اولاً ، أجمع القياديون المتحاورون على أن نظام المحاصصة الطوائفية الفاسد قد أصبح شائخاً ومتهاوياً وأن لا سبيل الى إصلاحه وإنعاشه بل يقتضي التعجيل في إنهائه تفادياً لإنعكاسات بقائه متفككاً ومتهاوياً على حاضر البلاد ومستقبلها.
ثانياً ، توافق المتحاورون في شبه إجماع على أن إنهاء نظام المحاصصة الطوائفية يجب ان يجري وفق نهجٍ سلمي وتدرّجي وذلك تفادياً للوقوع في مهاوي حربٍ اهلية بالغة المخاطر والأضرار.
ثالثاً ، توافق المتحاورون على تحديد ثلاثة بأنها الأشد خطورة بين التحديات والمخاطر التي تحيق بلبنان من الآن ولغاية آخر شهر تشرين الاول/ اكتوبر المقبل :
(أ) الفوضى الشاملة والإنفلات الأمني الناجم عن الضائقة المعيشية ، وإمتناع المصارف عن تسديد الودائع لأصحابها ، وتجميد التحقيق القضائي في الجرائم المدوّية وأهمها تفجير مرفأ بيروت، وعدم تسديد الرواتب والتعويضات المستحقة للموظفين والعاملين في ادارات ومرافق القطاع العام في أوانها ، وقطع التيار الكهربائي بصورة متواصلة بدعوى عدم توافر المازوت لتشغيل المحركات .
(ب) الفراغ الرئاسي المرجّح وقوعه نتيجةَ عدم التوافق على شخصية وطنية مقبولة لإنتخابها لرئاسة الجمهورية قبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول/اكتوبر المقبل .
(جـ) التداعيات الخطيرة المرتقبة الناجمة عن قيام “اسرائيل” بإستخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها داخل المياه الإقليمية اللبنانية في مطالع شهر ايلول/سبتمبر المقبل ما سيؤدي الى قيام المقاومة اللبنانية بقصف منصّات إستخراج النفط والغاز الإسرائيلية وإحتمال تطور الإشتباك الى حرب إقليمية.
رابعاً ، توافَقَ المتحاورن على أن إنهماك اهل النظام والسلطة ، موالين ومعارضين ، بتعزيز وتوسيع مصالحهم ومطامعهم الذاتية حال ويحول دون التوصل الى تسوية وطنية مقبولة بشأن تأليف حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة المستفحلة خلال الأسابيع الستة التي تفصلنا عن آخر شهر اكتوبر المقبل بما هو موعد إنتهاء ولاية الرئيس عون وما يمكن ان يتأتى عن ذلك من تداعيات وإضطرابات سياسية واجتماعية وأمنية.
خامساً ، تبدّى رأيان بشأن اسلوب مواجهة الأخطار الشديدة سالفة الذكر : الاول مفاده ان لا سبيل ، في ظل النظام السياسي الطوائفي الفاسد ، الى إجتراح خطة وطنية مقبولة للمواجهة او للمعالجة ، وأن الأفضل ترك النظام وأهله يتهاوون ، فلربما يتيح ذلك فرصةً لإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً على اسس سليمة ومتينة. الثاني مفاده ان التداعيات الناشئة عن الأخطار الثلاثة سالفة الذكر مقرونةً بالتدخلات الخارجية المتوقعة يمكن ان تؤدي الى إنزلاق البلاد الى إنهيار ما تبقّى من هياكل النظام المتهرّئة وإستشراء إنفلات امني واسع وإفراز حال من التقسيم الواقعي غير المقونن . كل ذلك يستوجب المسارعة الى تأليف حكومة وطنية جامعة وفاعلة لإدارة الأزمة حتى آخر اكتوبر المقبل وربما الى ما بعده في حال تمدّد الفراغ الرئاسي نتيجةَ تعذّر إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
سادساً ، إزاء كل هذه التحديات والمصاعب ، تساءل القياديون المتحاورون عما يقتضي عمله ، ولاسيما اذا ما توسّع وتعمّق الإنهيار على جميع المستويات وتطوّر الى حالٍ من الفوضى الشاملة والتقسيم الواقعي غير المقونن ؟ هنا برز موقفان : الاول يرى ان الامور مرهونة بأوقاتها ولا سبيل الى إعطاء رأي متكامل إلاّ بعد الإحاطة بالظروف المستجدة وموازين القوة خلالها. الثاني يرى انه يقتضي المبادرة فوراً وبلا إبطاء الى تكوين جبهة من القوى الوطنية النهضوية الحيّة ، أفراداً وجماعات وتنظيمات ، الملتزمة وحدة البلاد والعباد والمتوافقة على الاولويات الأكثر إلحاحاً في المرحلة الراهنة بغية مواجهة التحديات والتطورات المستجدة من جهة ، ومن جهة أخرى لوضع الأسس العملية وتوفير الوسائل اللازمة لمجابهة خطر التقسيم، ولإستعادة وحدة البلاد وبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية.
سابعاً ، إنطلاقاً من تبنّيه وتأييده القوي للرأي القائل بضرورة المسارعة الى تكوين جبهة من القوى الوطنية النهضوية لمواجهة التحديات والتطورات الخطيرة الحاليّة والمتوقعة ، طرح احد القياديين المتحاورين فكرةً رأى انها ضرورية جداً لبناء الجبهة المرجوة كما لبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية . الفكرةُ محورها ضرورة البحث عن القواسم المشتركة بين القوى الوطنية الحيّة الناهضة الى بناء الجبهة وبين حزب الله بما هو قاعدة ومرتكز المقاومة الملتزمة والقادرة على مواجهة عدوانية “اسرائيل”. ففي رأيه لا سبيل في أيّ بلدٍ تعددي ــ ولبنان بلد تعددي بإمتياز ــ الى حصول ايٍّ من الأحزاب المتنافسة على اكثرية فاعلة في مجلس النواب ، وان الممكن فقط هو نجاح احد الأحزاب في تكوين قاعدة شعبية عريضة تمكّنه من ان يصبح الأقوى بين الأحزاب المتنافسة والأقدر تالياً على ان تكون له كتلة وازنة وحلفاء في مجلس النواب. وبما ان حزب الله تتوافر فيه هذه الشروط ولديه أيضاً الإمكانيات، فإنه يتوجب على القوى الوطنية النهضوية ان تبادر الى التحاور معه بغية التوافق على الاولويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية الأكثر إلحاحاً وحضوراً في هذه المرحلة من اجل بناء جبهة وطنية نهضوية متماسكة لإنقاذ لبنان من محنته ، ولمواجهة “اسرائيل” الطامعة في ارضه ومياهه وثرواته الطبيعية، ولإدارة الأزمة المستفحلة خلال الظروف الصعبة المستجدة وفترة الفراغ الرئاسي بحكومةٍ وطنية جامعة وفاعلة .
وبعد … السؤال ما زال مطروحاً : هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه ؟

شاهد أيضاً

الكتل الحارة تنكفئ الجمعة…

تؤثر على لبنان كتل هوائية حارة اليوم وغداً ويكون تأثيرها شديد الفعالية على البقاع حيث …

الاشترك بخدمة الخبر العاجل