▪️▪️كتبت النهار
الترسيم آتٍ لا محالة، وبغيره تكون الخسائر كبيرة على كل المعنيين به، وخصوصا على اسرائيل المستعدة لبدء الاستخراج بعدما أنهت مرحلة تنقيب لم يباشر لبنان بها بعد، لذا فان الوسيط الاميركي (الاسرائيلي) مستعجل الحل الذي يتوّج به عمله ايضا. هذه خلاصة المداولات الجارية منذ اكثر من سنة، وعلى كل المستويات، من خلال محادثات أفضت الى اتفاق سياسي على انجاز الترسيم من دون اضاعة الفرصة التي ربما لن تتكرر إلا بعد سنوات تكون خلالها الاسواق قد تبدلت، والطلب على الطاقة بأنواعها تغيّر كثيراً.
لم يأتِ تركيز الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله قبل مدة على موضوع الغاز والنفط من فراغ، ولا اطلق تهديداته الى اسرائيل من باب اضاعة الفرصة خدمة لإيران في موقفها وموقعها التفاوضي، كما يدّعي البعض، بل كان يعلم جيدا ان لا خلاص للبنان إلا بموارده من الغاز ولو متأخرة بعض الشيء، وهو كان يحضّ اسرائيل على القبول بالشروط، بل بالتنازلات اللبنانية، لإنجاز عملية الترسيم، مستفيدا من ايلول الذي حددته اسرائيل موعداً لبدء استخراج الغاز وبيعه من اوروبا المتعطشة الى المشتقات النفطية في ظل النقص الذي تعاني منه جراء انقطاع الامدادات أو نقصها مع الحرب الروسية – الاوكرانية.
وإذا كان الحزب الذي يُخشى من اعتراضه على اي اتفاق، خصوصا مع اسرائيل، (اذ يملك امكانات تعطيله، بل تفجيره)، قد أعطى الضوء الاخضر، فان المكونات اللبنانية الاخرى متهافتة على انجاز الترسيم لألف سبب وسبب، وتلتقي جميعها على هدف استخراج النفط والغاز لتحقيق مكاسب مالية وتفعيل الحركة الاقتصادية من جديد، واخرى سياسية داخلية بحسابات بسيطة ومتواضعة.
في المعطيات الاسرائيلية التي تمضي في هذا الاتجاه ايضا، ما ذكرته “القناة 12” الإسرائيلية قبل نحو عشرة ايام، “ان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية متخوفة من استفزاز من قِبل “حزب الله” واحتمال تنفيذ هجوم في أي لحظة قبل توقيع الاتفاق حول الحدود البحرية مع لبنان والمتوقع الاسبوع المقبل”.
اما السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة اسحق ليفانون فكتب في “يسرائيل هيوم” في كانون الثاني الماضي، اي قبل ثمانية اشهر، “ظاهرياً، يبدو أن الظروف الناشئة مؤاتية للتوصل إلى حلّ. ولكي تصبح مطالبة لبنان بالخط 29 رسمية كان يتعين على لبنان تقديمها إلى الأمم المتحدة ممهورة بتوقيع رئيس الجمهورية. لكن الرئيس اللبناني رفض ذلك، وبهذه الطريقة أتاح العودة إلى طاولة النقاشات. ثمة خطوة أُخرى قام بها هي استبدال ممثل الجيش اللبناني في المحادثات (العميد الطيّار بسام ياسين) والمعروف بمواقفه المتصلبة. في هذه الظروف الناشئة يوجد احتمال معقول في أن نرى تسوية لبنانية – إسرائيلية. وكي لا تخرب المساعي في هذه المرحلة، على المتحدثين باسم إسرائيل في هذه المسألة أن يمتنعوا عن أي تصريح في موضوع محادثات ترسيم الحدود، كي لا يحرجوا الطرف اللبناني، وكي لا يستدعوا ضغوطا داخلية تمنع الوصول إلى تسوية. إذا كان اللبنانيون يرغبون في أن يتحدثوا – لاعتباراتهم الداخلية – فهذه مشكلتهم. برأيي، في الظروف الناشئة نحن أقرب إلى التسوية من أي وقت مضى. وإذا ما توِّجت المحادثات بالنجاح فسيكون هذا إنجازا سياسيا مهما بالنسبة لنا”.
ولعل اسرائيل، ولبنان الرسمي ايضا، أخذا بنصيحة ليفانون، فقلّت التصريحات في الموضوع الى حدها الادنى، لعدم توسيع دائرة الجدل، وتحويلها كرة ثلج يمكن ان تطيح الاتفاق المتوقع، وهذا في ذاته دليل إلى انجازه في انتظار توافر الإخراج المناسب.