كتبت النهار
بدأ توصيف لبنان بـ”الدولة الفاشلة” يتسع عملياً عقب اندلاع الانتفاضة الكبيرة في 17 تشرين الأول 2019 كـ”بداية رسمية” للانهيار غير المسبوق الذي أصاب لبنان. ومع ذلك لن يُكرَّس هذا التوصيف دولياً إذا نجح البرلمان اللبناني في أساس ما انتُخب من أجله، أي حماية النظام الدستوري ومنع انهياره بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب فرصة ضمن المهلة الدستورية. وأما في حال إخفاقه فإن إعلان لبنان جمهورية ودولة فاشلة سيغدو النتيجة الأشدّ وقعاً في سلسلة تداعيات مدمّرة لبقايا البقايا في بلد يصارع النزاع الأخير.
ما تقدّم ليس سوى جرعة تذكيرية عابرة لكل من يقلب شفاهه استغراباً، سواء عن تبعية مريضة أو إنكار عدمي قاتل، لظهور معظم القوى التقليدية و”المحدثة” في البلد في إطار جبهوي شكلي ضد العهد الراحل في آخر أسابيعه وكأن الأمر ينطوي على “مؤامرة” على عهد ورئيس وحليف حديدي استنفدوا الأوصاف “التاريخية” في دفع لبنان بقوة ساحقة الى ما بلغه في متاهة الانهيار. لعل أسوأ ما أصاب المستغربين أمام ترامي لوحة المعترضين والمستعجلين التخلص من هذا العهد أنهم لا يستعيدون بعض التاريخ اللبناني في تجارب استحقاقاته الرئاسية. نادراً ما مرّ عهد وانتهى إلا بلعنته حتى الأفضل والأنقى بينها، فكيف بعهد لم تبرز “قوّته” إلا في دفع لبنان الى متاهة العدم؟ لا جدوى من تكرار اللازمة التي تثبت أن مثالب وفساد وارتكابات الكثير من القوى الأخرى المتراكمة منذ بدء تطبيق الطائف لها دور ساحق أيضاً في تهيئة الأرضية للانهيار. ولكن أياً من هؤلاء النشامى لم يطرح نفسه منقذ لبنان كما فعل العهد وكما أرادوا ترسيخ الصورة عنه يوم عطلوا انتخاب رئيس الجمهورية سنتين ونصف السنة لإيصال العهد “الأقوى” الموعود.
ولكن إن كان الجاري في الثرثرة الآن لن يجدي نفعاً أمام الاستحقاق الداهم فإن الاكتفاء بصورة تجميع خصوم العهد ومناهضيه والمضيّ قدماً في استعراض ما يصحّ ولا يصحّ في تبرئة الذمم من تبعات ما آل إليه الانهيار في ظل العهد، كل هذا لن يجدي نفعاً ولن يقدّم الكثير في الهرولة السريعة نحو ما نخشى أن يكون الضربة القاصمة لقدرة أخيرة للبنانيين على البقاء والصمود في متاهة أخيرة للانهيار.
ذلك أن حلول فراغ رئاسي جديد، مستعاد، طويلاً كان أو سريعاً، في أيّ شكل من أشكال المراحل الانتقالية التي جرّبها لبنان أو لم يجرّبها، في ظلّ حكومة تصريف الأعمال الحالية أو في ظلّ أخرى معوّمة أو معدّلة أو حتى جديدة بالكامل، مع إجراءات الحد الأدنى لتمكين المصرف المركزي من إنفاق الاحتياط الأخير من العملات الأجنبية التي تقترب من السقف القاتل أو من دونها…. كلّ هذا لن يكفي لإنقاذ لبنان من السقوط المروّع المخيف في “آخرة” ستكون أسوأ وأخطر وأشد دراماتيكية من “آخرة” العهد الحالي. لن يعني شيئاً التصفيق لتحالف أو ائتلاف سياسي – نيابي – حزبي عريض مناهض للعهد الآفل ما لم يتجه هذا التحالف بأي شكل الى حماية لبنان من الفراغ قبل فوات الأوان وتأمين موجبات الانتظام الدستوري في المعركة الرئاسية قبل أن تحلّ كارثة الفراغ المتسارعة مؤشراته يوماً بعد يوم. لن نصفّق بأيدٍ صمّاء عمياء للعنة العهد قبل إضاءة ظلمة لبنان بالنظام فقط!