تحتفل قلة قليلة من “الشعوب” اللبنانية اليوم الجمعة بذكرى مرور أربعين عاما على انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ففي مثل هذا اليوم، في ١٦ أيلول ١٩٨٢ أعلن القائدان جورج حاوي ومحسن ابراهيم انطلاقة جبهة المقاومة، ودعيا الشعب اللبناني الى حمل السلاح واستخدام جميع الوسائل النضالية لدحر الاحتلال الاسرائيلي واجباره على الانسحاب.
في تلك الايام رفع شعار
” الوطن باق والاحتلال الى زوال”.
لجأ المقاومون من مختلف الاتجاهات الى مختلف الوسائل النضالية، واجبروا الاحتلال الى الانسحاب، وربط المتقدمون منهم شعار التحرير بشعار التوحيد، اي وحدة الكيان ووحدة الشعب، لكننا لم نكن يوما شعبا واحدا بل شعوبا، لكل منها تاريخها واساطيرها وهويتها والانتماء الخاص بها، نعيش سياسة التكاذب ومسرحية التعايش المشترك بديلا عن العيش الواحد.
وفي الوقت الذي كان مقاتلو جبهة المقاومة يقاتلون قوات الاحتلال، كان اقوياء كل طائفة مشغولون برسم حدود سيطرتهم، وخاض كل طرف من الاطراف الطائفية معارك طاحنة مع الاخرين لتحديد مساحتهم الخاصة، لم يكتفوا بذلك، بل اشتعلت المعارك ضمن الطوائف نفسها، فيما ضعف التيار الداعي الى وحدة البلد وتطوره الديمقراطي.
واضطر المحتل الاسرائيلي الى الأنسحاب عام ٢٠٠٠، بعد ان اطمئن الى ان الانقسامات الداخلية تزداد عمقا ونظام المحاصصة يزداد ترسخا.
الانهيار الاخير الذي نشهده، والذي تزايد تسارعه بعد عام ٢٠١٨ كان شاهدا على انهيار ما تبقى من مؤسسات عامة.
ويبدو ان الرئيس فؤاد شهاب قد أخطأ عندما اعتقد وفريقه انه يمكن بناء دولة تكون اساسا للوطن ضمن النظام الطائفي، واستحالة ذلك وهذا ما اظهرته الفترة الاخيرة.
اذ يبدو ان تحلل السلطات يتسارع بالتزامن مع الانهيارات التي يشهدها الكيان اللبناني على جميع المستويات.
للتذكر، ايام حكومة حسان دياب، وفي مقابلة تلفزيونية قال وزير الداخلية انذاك محمد فهمي ان التفلت الأمني يتزايد والقوى الأمنية عاجزة عن القيام بمهامها، وهذا ما تشهده الاراضي اللبنانية، وجرت وتجري يوميا عمليات استرداد اموال لمودعين بالقوة من المصارف التي ترفض دفع حقوق المودعين واطراف السلطة كلها، ان كانت في الحكم ام خارجه، مشاركة في النظام المصرفي .ويقول احد المودعين:” لقد لجأنا الى القضاء لكنه لم يحرك ساكنا، ويبدو ان تحركه ياتي بناء على الطلب”.
والقضاء عاجز حتى عن استكمال التحقيق في جريمة المرفا، ومعابر التهريب مفتوحة تحت أعين قوى الامر الواقع وعلى حساب المال العام.
ماذا يحصل في لبنان؟؟ يبدو أن السلطات والمؤسسات العامة الى تحلل، وبالتالي فإن انهيار البلد يتسارع والكيان اللبناني يتقاسمه اقوياء الطوائف وصولا الى مناطق تتجاور، وتعمها الفوضى والنزاعات بين القوى المتصارعة في كل منطقة، وصولا الى الأمن الذاتي الذي بدأ بشكل غير علني في عدد من المناطق، وهذا شيء طبيعي، بعد ان بات النظام الطائفي القائم على المحاصصة عاجز عن تقديم اي حل واقعي لمشكلات الناس، وللاسف، بالمقابل نشهد غياب كتلة اجتماعية تحمل بديلا سياسيا ديموقراطيا.
إلى ماذا يؤدي ذلك؟؟
حتما الى فوضى مناطقية، ويسيطر على كل منطقة القوة الطائفية الاقوى، وفي حال وجود منطقة ذات تنوع اجتماعي وطائفي فانها ستشهد توترا ونزاعا قد يصل إلى العنف المتبادل.
فماذا بقي من الوطن؟ لا شعب واحد، بل شعوبا لا انتماء وطني لها، ولا مؤسسات عامة تؤمن دور الدولة ولا حدود ممسوكة من سلطة واحدة،
منذ خمسة عشرة يوما، أتم الكيان اللبناني عامه الثالث بعد الماية عام، ويبدو انه سيستمر بحدوده الدولية المعترف بها لكنه يبدو سيشهد احتلالا داخليا من اقوياء الطوائف يمنع بناء دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها.
هل ننتظر الهبوط المتسارع نحو قعر الجحيم، ام نعود ونبني قلة جديدة تتابع ما بداته جبهة المقاومة الوطنية منذ أربعين عاما؟
وحتى نصل الى ذلك، تصبحون على وطن.
وفيق الهواري.