كتبت النهار
انطلاق المرشّح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية من 50 نائباً مؤيّدين له استناداً الى حسابات (بوانتاج) حليفه “حزب الله” أمرٌ جيّدٌ في رأي مؤيّديه بل مرشّحيه. ذلك أن المعركة الرئاسية لا تزال في مراحلها الأولى، بل هي قد تحمل مع مرور الوقت وإن غير طويل الكثير من المفاجآت المفرحة كما المخيّبة للآمال عند كل الطامحين الى التربّع على سدّة الرئاسة ولا سيما الجدّيين منهم. فقائد الجيش العماد جوزف عون المرشّح عملياً لا رسمياً لأنه لا يزال في موقعه الرسمي، لا يستطيع بهذه الصفة الجهر بترشّحه والعمل لتأمين الأصوات النيابية التي يحتاج إليها للفوز سواء مع “ناخبي” الداخل من الأحزاب ونوابهم أو مع الناخبين الفعليين من القوى الإقليمية والدولية ذات الأوزان السياسية المهمة. لكن ذلك لا يعني انقطاع الاتصال أو التواصل بينه وبين ناخبي الخارج الفعليين ومع ناخبي الداخل. انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن مؤيّدي قائد الجيش من النواب هم حالياً المنتمون الى “حزب القوات اللبنانية” ويبلغ عددهم 19 نائباً. ويمكن القول أيضاً إن هناك جهات نيابية عدّة متناقضة في انتمائها السياسي الداخلي والإقليمي – الدولي ترى في العماد جوزف عون مرشّحاً جدّياً وقادراً في الوقت نفسه على قيادة البلاد في مرحلة بالغة الدقة والخطورة. وبتجربته الناجحة في قيادة جيش تجمعه الممارسة وتفرّقه الانتماءات الطائفية والمذهبية عندما يكون المنتمون إليه في منازلهم بل داخل بيئاتهم الشعبية المتنوّعة، يمكن أن ينجح أيضاً إذا انتُخب رئيساً للبلاد لأن المطلوب ليس رئيساً يحكم إذ إنه سيعجز عن ذلك بعد الانقسام النهائي لشعب لبنان وتبنّي كل واحد منه مشروعاً “وطنياً” مناقضاً لمشروعات الآخرين، ولكل من هذه الشعوب سند إقليمي ودولي، بل رئيس يدوّر “الزوايا” ويحفظ الحد الأدنى من التماسك الداخلي والهدوء. علماً بأن هذا الأمر صار في رأي جهات لبنانية عدّة “حلم ليلة صيف”.
لمن تكون الطريق الرئاسية معبّدة؟ لزعيم “تيّار المردة” سليمان فرنجية أم لقائد الجيش العماد جوزف عون؟ لا يمكن إعطاء جواب قاطع عن هذا السؤال. فالقائد عون يحتاج الى فراغ رئاسي وإن لمدّة قصيرة كي تزول العقبة القانونية بل الدستورية التي تمنع دخوله قصر بعبدا رئيساً. وهي أن يكون استقال فعلياً من وظيفته العسكرية قبل مدّة معيّنة من ترشّحه العملي للرئاسة رغم عدم نصّ الدستور على ترشيح رسمي وآليّة له. لكن “فتوى” رئيس مجلس النواب نبيه برّي التي أمّنت انتخاب قائد الجيش في حينه ميشال سليمان رئيساً بقيت وتبقى سارية المفعول في لبنان. جوهرها أن الفراغ الرئاسي وإن لمدة قصيرة يُسقط المهل المحدّدة للترشّح للرئاسة ويؤمّن الوصول الى قصر بعبدا رئيساً. هذا في الشكل. أما في الجوهر فإن العقبات سياسية، بعضها داخلي وبعضها خارجي. فالنواب المؤكّد أو شبه المؤكّد ترشيحهم لقائد الجيش هم الـ19 المنتمون الى “القوات” بعدما أعلن ذلك رئيس حزبهم سمير جعجع. لكنّ هناك نواباً آخرين منفردين أو منضوين في تجمّعات أو تكتلات ربما يفضّلون “القائد” إذا خُيّروا بينه وبين فرنجية. ومن هؤلاء مثلاً النواب التغييريون الـ13 ونواب حزب الكتائب على قلة عددهم والنواب السياديون على تنوّعهم والنواب الذين تمون عليهم قوىً إقليمية مهمة أبرزها المملكة العربية السعودية. كما أن هناك نوّاباً آخرين قد يفضّلون إبقاء المؤسسة العسكرية بشخص قائدها جوزف عون بعيدةً من الرئاسة ومن السياسة ومواقعها الرسمية. بعضهم مثل نوّاب “حزب الله” “تنقّزهم” طبعاً رئاسة جوزف عون إذ يتمتّع من زمان بتأييد ودعم الولايات المتحدة والعربية السعودية المعاديتين حتى الآن على الأقل للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أسهمت بتأسيس “الحزب”، ولا تعارضه فرنسا ولا الفاتيكان إن كانت حظوظه جيّدة، كما يتمتع بسمعة جيّدة داخل الجيش وفي الأوساط الشعبية لابتعاده طوال “ولايته العسكرية” عن ارتكاب المعاصي غير السياسية والأخطاء المهنية مثل عدد من الذين سبقوه الى هذه “القيادة”، وعن ارتكاب المعاصي السياسية التي من شأنها الإضرار بوحدة الجيش ودفع البلاد الى الحرب ثم التحلّل النهائي والشعوب الى حرب جديدة أخطر بكثير من حرب 1975-1990 رغم أن الأخيرة بسوء معالجتها وعدم تطبيق اتفاق الطائف الذي وُضع لإنهائها أوصلت الدولة الى انهيار لا يمكن إنهاؤه إلّا بصيغة جديدة لدولة جديدة. علماً بأنها أي الصيغة الجديدة قد تكون أسوأ من القديمة لأنها لن تكون وليدة نضج سياسي وتطوّر وطني بل وليدة ميزان قوى ديموغرافي وعسكري في الداخل وتدخل قوى صاعدة في الإقليم.
أما المرشّح سليمان فرنجية فإنه في رأي متابعي حركته وحركة “حزب الله” الذي هو مرشّحه الفعلي وإن لم يُعلن ذلك رسمياً بعد أي بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله فإن حظوظه ليست معدومة كما يُردّد إعلاميون مؤيّدون لقائد الجيش على “العمياني”. فسقوط المهل وهو المانع القانوني لوصوله الى الرئاسة بعد وقوع لبنان في فراغ رئاسي لا يكفي لتحقيق هذا الهدف، إذ يحتاج الى تأييد فعلي من “حزب الله” و”حركة أمل” أو واحد منهما والى تأييد مجموعات نيابية ونوّاب منفردين لهم حسابات خاصّة وانتماءات إقليمية متنوّعة. ومن دون هؤلاء لا ينجح جوزف عون في الوصول الى الرئاسة. ولن يكون نجاحه فيها مماثلاً لنجاحه في قيادة المؤسسة العسكرية. فهو ضمن وحدتها أي عدم انفراطها وحافظ عليها وذلك أمرٌ ممكن دائماً في بلد انتماء المواطنين فيه، عسكرياً كان أو مدنياً، هو للدين والطائفة والمذهب. والمطلوب بعد انتخابه رئيساً حفظ وحدة الدولة والشعب وإن “بالتلزيق” ريثما تسمح الظروف ببناء دولة جديدة عيّيشة. أمّا المرشح سليمان فرنجية فإن تأييد “الثنائية الشيعية” له وإن لم تُعلن “حركة أمل” ذلك رسمياً بعد فإنه قد يرفع رصيده من 50 الى 58 نائباً إذا قرّر الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط بتدخل من صديقه الرئيس بري تصويت نوابه الـ8 لفرنجية. بذلك يصبح فرنجية محتاجاً فقط الى 7 نواب للفوز بالغالبية المطلقة أي 65 نائباً. وقرار كهذا غير مستبعد إذ إن جنبلاط لم يجزم بعد بموقف معارض لفرنجية أو موالٍ له، وهو قد يستمع الى نصائح حليفه بري المؤيّدة لزعيم “المردة”.
في النهاية، هل ستكون معركة الرئاسة معركة نصاب جلسة الانعقاد والدورة الانتخابية الأولى المحدّد بثلثي أعضاء مجلس النواب والجلسات اللاحقة التي يرى البعض أن نصابها سيكون الغالبية المطلقة؟ وما المواقف الفعلية الحالية اليوم لناخبي الخارج؟ وأخيراً متى سيدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بعدما انقضى من المهلة الدستورية لذلك والمحدّدة بشهرين نحو 22 يوماً؟