كتبت النهار
ليس صحيحا بعض الانطباع السائد بان الإنجاز الوشيك لاتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل في قابل الأيام سيكون “ضربة قدر” إيجابية نادرة في ليل لبنان الحالك . لا شأن “للموارائيات” الشعبية في ملف كهذا املته واكملته تقاطعات في المصالح والظروف الدولية والإقليمية واللبنانية ودفعت بتوقيته المتقن الوساطة والديبلوماسية الأميركية الى مستوى الاختراق الناجح تماما ، مهما قيل من هنا وهناك على ضفاف هذا التطور .
لن نغرق الان في سخافات التسابق المتهالك من اطراف العهد والرئاسات ورئيس الرئاسات”حزب الله” على التوظيف المتعدد الوجه والأسلوب والاتجاه لهذا الحدث في الداخل والخارج فيما نحن نتساءل بماذا تراه قد ينعكس اتفاق ترسيم “تاريخي” بين لبنان وإسرائيل تسابق “الممانعون” على الحفاوة به كأنه ملك خاص بهم على الآتي من تطورات الاستحقاقات الداخلية وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي ؟ المفارقة التي لا يمكن تجاهلها في هذا السياق ان المشهد الطارئ بدا كأنه سباق بين استحقاق الترسيم الذي تقدم وتوهج امام كل الاستحقاقات الداخلية الأخرى واستحقاق الانتخاب الرئاسي على رغم ان التوصل الى اتفاق الترسيم الذي يستبعد ان يتعثر بعد الان ليس ابن ساعته بل استلزم تراكما من الديبلوماسية المعقدة التي تولاها وسطاء اميركيون منذ اكثر من عقد .
ولكن من “محاسن” التوقيت المتعمد حتما لاستيلاد الاتفاق قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون لتزامنه مع اعتبارات تعود للانتخابات الإسرائيلية أيضا ان تتظهر “فضيحة” لبنانية خالصة تتمثل في المعادلة الاتية : يمكن التوصل الى اتفاق مع إسرائيل من دون رفة جفن (ولو من دون معاهدة مباشرة) ولا يمكن ترك الاصول الديموقراطية الخالصة تنتخب رئيسا للبنان . هذا ما رسمته “التوجيهات” المباشرة للتحكم بإدارة المشهد الداخلي من جهة والمفاوضات مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي “الهوليودي” السمات آيموس هوكشتاين من جهة أخرى . ماذا يعني اذن السكوت السياسي العارم وخصوصا من جانب “المعارضات” التي لم نعد نعرف كيف نجد طريقا لتحديد كل منها بعد الذي صار في الاستحقاق الرئاسي ، عن وضع الرئيس نبيه بري شرطا قاتلا لاطلاق الاستحقاق من الاسترهان الحقيقي تحت عنوان “التوافق” الشامل ، وهو حقيقة توافق شمولي اشبه بما ورثه اتباع المحور الممانع من عصر الوصاية السورية بتسمية الرئيس وانتخابه باجماع المجلس المعين أيضا من الوصاية ؟
ليس في الظاهر ولا في الباطن أيضا ما يفترض ان يربط الخطوات الأخيرة لاتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل بالاستحقاق الرئاسي الا التوقيت المتزامن بين احتمال ابرام الاتفاق قبل نفاد المهلة الدستورية الرئاسية في نهاية الشهر الحالي . ومع ذلك سيصعب علينا ان نلتزم “السذاجة” بتجاهل الدفع الواضح من جانب “المحور الممانع” نحو احداث الفراغ الرئاسي عمدا وسط تصاعد اهازيج التبشير باتفاق الترسيم وجعله نقطة توظيف يتقاسمها مع العهد الراحل . ما املاه رئيس المجلس في فرض إيقاع “التوافق” والنصاب الالزامي للثلثين في كل الجلسات لابقاء ورقة فرض “الرئيس التوافقي” المجهول في قبضة فريقه اكمله علنا شريكه في الثنائية الشيعية السيد حسن نصرالله الذي يبدو “زهده” في التحدي ودعواته الى نبذ التحدي كأننا امام زعيم حزب بيئي وليس “حزب الله”!.
ما دام الامر هكذا فهل نكون امام وساطة أخرى، فرنسية على الأرجح هذه المرة، على غرار النجاح في الترسيم لانتخاب رئيس لعصر “الوعد بالطاقة” الاتية من المنطقة الاقتصادية الخالصة ؟