كتبت النهار
لا يزال شبح الفراغ الحكومي مسيطراً على أجواء الحياة السياسية في لبنان رغم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة جديدة بعد استقالة حكومته قبل أشهر ورغم مبادرة “حزب الله” حليف رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر” الذي يترأسه صهره النائب جبران باسيل الى بذل الجهد لحل العقبات المستعصية. الدافع الى التحرّك الحكومي لـ”الحزب” خوفه من فشل مجلس النواب والمنظومات السياسية المتنوّعة في البلاد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتالياً من حصول فراغ في رئاسة الدولة وحرصه على تلافي فراغ حكومي مواكب له، إذ إن الوصول الى هذه الحال يُنهي عملياً “دولة الطائف”، ويفتح الباب واسعاً أمام غرق اللبنانيين في مستنقع الفوضى الأمنية الواسعة في ظل عجز المؤسسات العسكرية والأمنية عن القيام بمهماتها جرّاء انهيار المؤسسات السياسية والإدارية ووقوع البلاد وشعوبها في حال من الإفلاس المالي والتدهور الإقتصادي والفقر. في حال كهذه لا بد من أن يجد اللبنانيون أنفسهم أمام واقع مرير هو سقوط الدولة والصيغة ومعهما إتفاق الطائف الذي سعى الى ترميم الأولى منذ 1989، لكنه واجه الإخفاق التامّ، وسقوط النظام والصيغة في آن. ووضع ذلك الجميع أمام مأزق كبير وخطير هو عجزهم منفردين عن تأسيس دولة جديدة وصيغة جديدة ونظام جديد وتالياً حاجتهم الى تدخل عربي – إقليمي – دولي لـ”ترقيع” دولتهم المنهارة. وفي حال عدم توافر الظروف الملائمة لتدخّل كهذا جرّاء وقوع العالم كلّه في حال من الخوف والشدّة الإقتصادية بسبب حرب روسيا على أوكرانيا وتحوّلها حرباً معلنة وإن غير مباشرة بين الأولى وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في حال كهذه يُصبح الحل الوحيد المتاح إقدام الفريق الأقوى في البلاد، وهو معروف من دون تسميته، على وضع يده عليها بالتعاون مع حلفاء له وإبلاغ الجميع أن الأمر فيها صار له. لكن ليس هناك ضمان لنجاح خطوة كهذه فيستمر لبنان في الإنتقال من سيئ الى أسوأ ثم الى الأسوأ ولا بد من أن يدفع ذلك أبناءه الى الهجرة بالوسائل الشرعية أو بقوارب الموت التي يجني منها فاقدو الضمير الإنساني والوطني مبالغ طائلة.
طبعاً لا يزال “المسؤولون” على قلة شعورهم بالمسؤولية يحاولون تجنّب الفراغين الرئاسي والحكومي أو الثاني على الأقل. لكنهم أخفقوا في ذلك حتى الآن. ولا يمكن حصر مسؤولية الإخفاق في واحد من الأفرقاء المتصارعين وأهمّهم رئيس الدولة ووريثه النائب باسيل وحزب “القوات اللبنانية” و”الثنائية الشيعية” ورئيس الحكومة المستقيلة والمصرّفة للأعمال والمكلّف في الوقت نفسه تأليف حكومة جديدة. يبدو ذلك واضحاً من خلال ما يتسرّب من معلومات عن “المشاورات” الفاشلة التي تجري في استمرار بين هؤلاء كلهم.
في هذا المجال تفيد معلومات متابع سياسي جدّي لأوضاع بلاده على تنوّع قادتها وتناقضهم أن الرؤساء الثلاثة عون وبري وميقاتي أثاروا بعد بحثهم القصير في اجتماعهم الذي كان محدداً مع الموفد الأميركي لحل مشكلة الترسيم البحري مع إسرائيل آموس هوكشتاين، أثاروا الموضوع الحكومي وبحثوا في وسائل إزالة العراقيل والعقبات التي تعترض تسويته على نحو مقبول من الجميع. لكن رئيس الحكومة المستقيلة والرئيس المكلّف ميقاتي هبّ وقال بانفعال: “لَشو الحكومي كلها شهران أو ثلاثة أشهر وتُعتبر الحكومة الجديدة مستقيلة حكماً بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتصبح حكومة تصريف أعمال”. طبعاً لم يبتّ الرؤساء الثلاثة هذا الموضوع في حينه لأن وقت الإجتماع مع هوكشتاين كان قد حلّ، لكن عون عارضه واتخذ بري الموقف نفسه. بدا في حينه أن ميقاتي واحد من الذين يعطّلون أو يؤخّرون تأليف الحكومة، علماً أنهم كثيرون ومتنوّعو الإنتماءات. فهل بُحث في الإجتماع المذكور بتعديل حكومي صغير مثل إبدال وزيرين أو ثلاثة حاليين بوزراء جدد واعتبار الحكومة جديدة وإرسالها في سرعة الى مجلس النواب طلباً لثقته؟ طبعاً لم يحصل ذلك في الإجتماع المُشار إليه أعلاه لقِصَر الوقت. لكن البحث استُكمل لاحقاً بالواسطة وأحياناً مباشرةً. فاقترح عون زيادة ستة وزراء دولة على الأرجح يتولون الشؤون السياسية الداخلية والخارجية، ويكونون قادرين على معالجة الأمور واتخاذ قرارات في أثناء ممارسة الحكومة صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال الإخفاق في انتخاب خلف للرئيس الحالي عون. بدا من خلال اللقاءات السياسية وحتى الإعلامية كما من تسريبات عدّة أن الرئيس ميقاتي ليس في وارد قبول اقتراح إضافة وزراء ستة الى حكومته. لكنه في أحد الأيام قال أمام زائر له قد يكون صديقاً إنه يقبل إضافة وزراء ستة الى حكومته بعد رفض طويل لذلك، على أن يعيّن هو الثلاثة المسلمين منهم وأن يعيّن عون الثلاثة المسيحيين أيضاً. فتوجه فوراً هذا الصديق والضيف في آن الى الرئيس ميقاتي بسؤال: “هل أستطيع أن أبلغ رئيس الجمهورية ذلك؟”. فأجاب ميقاتي: “طبعاً”. اتصل الصديق بالرئيس وأبلغه ما سمعه فقال له: “أنا أنتظرك اليوم في القصر ولكن في الساعة العاشرة ليلاً”. زاره وأطلعه على ما سمع من ميقاتي. فسُرَّ، أي عون، لأن اختيار المسيحيين من الوزراء الستة سيكون له. لكن ميقاتي غيّر رأيه لاحقاً، علماً أنه عندما فاتح صديقه بموقفه الإيجابي قال أيضاً: “يكون الوزراء الخمسة وزراء دولة”. واقترح تعيين الوزير السادس وهو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبرهيم وزيراً للداخلية. طبعاً “نقّز” الشق الأخير من الإقتراح الرئيس نبيه بري رغم علاقته الجيدة بإبرهيم ورفضه لأنه سيحرمه وزارة المال التي هو حريص ومن زمان سحيق على أن يكون شاغلها من حصته. كما “نقّز” الإقتراح نفسه وزير الداخلية بسام المولوي إذ رأى فيه إخراجاً له من الحكومة أو ربما إسناد وزارة أخرى غير مهمة إليه. طبعاً يبدو أن اقتراح إضافة الوزراء الستة أُجهِض وعاد البحث من جديد الى نقطة الصفر.