كتبت النهار
حسنا، اذا اعتبرنا ان مشروع اتفاق الترسيم الحدودي البحري ممتاز، ومثله تقاسم كل من لبنان وإسرائيل “خيرات” حقل قانا، انما من دون تطبيع مباشر، بل من خلال ترك مسألة الحصة الإسرائيلية التي تبلغ الثلث على عاتق شركة “توتال” الفرنسية، مع تلافي الحديث منذ الآن عن خطوط التصدير الى الأسواق الخارجية المحتملة في أوروبا (هذا في حال ثبت ان كميات الغاز في حقل قانا كافية تجاريا) كون الخطوط الوحيدة الممكنة تمر عبر الانابيب الإسرائيلية فالمصرية وأخيرا الأوروبية في إيطاليا. اذا اعتبرنا ان الصفقة التي قد تتم قريبا ممتازة بالنسبة الى لبنان، وانها تصب في مصالحه ماليا وسياسيا، ويمكن اعتبارها كما يقول بعض إعلام ما يسمى “الممانعة” انتصارا لما يسمى “المقاومة”، هل لنا نحن اللبنانيين ان نطلع على تفاصيل الاتفاق المزمع توقيعه بعدما وافقت عليه “الترويكا” العائدة في ظل “حزب الله” وبالتالي ايران الجالسين على المقعد الخلفي؟ هل لمجلس الوزراء وليس لرئيسه وحده، ان يطلع على الاتفاق، ويناقشه، ويضيف اليه تحفظات ومطالب بتعديلات ان وجدت، ثم يوافق عليه؟ ام ان هذا كثير على رئيس حكومة تصريف الاعمال؟ وهل لمجلس النواب الذي يمثل أمّ السلطات ان يطلع بعد ذلك على نص الاتفاق النهائي الذي يزمع لبنان الموافقة عليه، كون هذا الاتفاق يشمل، أولا تحديد الحدود البحرية اللبنانية وهذا بند سيادي دستوري يجب ان يمر عبر مجلس النواب؟ وهل لمجلس النواب ان يطلع على النص النهائي الذي تنتج عنه تبعات مالية واقتصادية هائلة لكل لبنان، وله اثر مباشر على مستقبل اللبنانيين جميعا كشعب وهذا موضوع مرتبط بالسيادة المالية للبلد؟ وأخيرا هل لـ”الترويكا” المحترمة ان تنتظر موافقة مجلس النواب الذي يفوقها بسلطاته بوصفه مصدر كل السلطات قبل ان تقول نعم ام لا؟
ان رئيس الجمهورية الذي يقود المفاوضات بحسب سلطاته الدستورية يستحيل ان يختصر الدولة. ورئيس مجلس الوزراء يستحيل ان يختصر مجلس الوزراء، فالسلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء وليس برئيسها. وأخيرا يستحيل على رئيس مجلس النواب ان يختصر المجلس فهو رئيسه وليس صاحبه. ومجلس النواب مجتمعا هو فوق رئيسه لا العكس، لا سيما عندما يتعلق الامر بمصالح الوطن العليا. اذاً ان الـ”ترويكا” العائدة الينا من زمن الوصاية الاحتلالية السورية، والآن برعاية ايران عبر “حزب الله” المتحكم بها من أولها الى آخرها لا تختصر البلد. ومن هنا نستغرب كيف ان صوتا واحدا في مجلس الوزراء لم يخرج ليطالب بالاطلاع الرسمي على الاتفاق. ومثله مجلس النواب، حيث لم نسمع كتلة واحدة تطالب بوقف مهزلة محاولة اختصار السلطات بثلاثة رؤساء، احدهم راحل بعد عشرين يوما، والثاني منقوص الشرعية لعلة تصريف الاعمال، والثالث لا صفة له بموضوع التفاوض بوصفه يمثل سلطة الرقابة لا سلطة الاجراء. اما عن نائب رئيس مجلس النواب فحدّث ولا حرج!
نعود الى الاتفاق – الصفقة، ونقول مهما كان الاتفاق عظيما يجب ان تطلع عليه السلطات الدستورية اصولا بشكل واضح وشفاف، والأهم ان الشعب يجب ان يكون على علم بموضوع الترسيم وملاحقه المرتبطَين بسيادة الوطن الحدودية والمالية والاقتصادية. اما موضوع التطبيع غير المباشر فلا يهمنا اطلاقا، لانه حاصل منذ انتهاء حرب 2006، وبكل “اريحية”!