كتبت النهار
يبدو أن الرئاسة السورية نجحت في جعل أزمة النازحين السوريين، مشكلة لبنانية محضاً يتخبّط فيها أهل الداخل، ويتحمّل الجميع تداعياتها. تردّد دمشق باستمرار أنها على استعداد لإعادة هؤلاء الى بلادهم، لكن لبنان الرسمي غير متفق على طريقة حلّ هذه الأزمة، تارة بتنازع الصلاحيات ما بين الوزارات المعنية أو تلك المكلفة، وطوراً بعدم التنسيق الكافي مع مؤسّسات الأمم المتحدة المعنيّة التي تركز على عودة طوعية وآمنة، لعدم إلحاق الضرر والأذى بأيّ من العائدين، كما حصل مع أسلافهم، من دون أن تبرز تلك المؤسسات أي وثائق اسمية أو دلائل على الأذى المذكور في تقاريرها التي يغلب عليها الطابع السياسي الضحل.
يسأل المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم في حديث الى مجلة الأمن العام في عددها لشهر أيلول، “عمّن يعرف نسبة السوريين الموجودين في لبنان المؤيّدين للنظام؟ ومن يستطيع القول إن المليون ونصف المليون نازح سوري جميعهم ضد النظام؟ بمتابعاتنا وملاحظاتنا لأكثر من 70% من النازحين فإنهم مع النظام، وهذا الأمر لاحظناه وأعددنا تقارير حوله بعد الانتخابات الرئاسية السورية، وشاهدنا اندفاع السوريين الموجودين في لبنان على مراكز الاقتراع للتصويت، ومن حضر الى مركز الاقتراع صوّت للرئيس الأسد وإلا ما كان ليحضر، وأعيد قول ما سبق أن قلته في لقاء مع أحد سفراء الدول الكبرى حول ملف النزوح، من أن السوري الذي يأتي ويقول “سيادة الرئيس الأسد” يعني أنه موال، ومن يقول “بشّار الأسد” فهو معارض، ونحن نلاحظ أن أكثر من 70% من الموجودين في لبنان، يكاد يقف احتراماً عند ذكر الرئيس الأسد، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يقول إن هؤلاء ضد النظام”.
وإن كان وزير المهجرين عصام شرف الدين نقل عن الوزراء السوريين الذين التقاهم في دمشق، أن سوريا جاهزة لاستقبال النازحين الراغبين في العودة، وتكلم عن إمكان إعادة 15 ألف نازح شهرياً، وعن مراكز إيواء جاهزة في سوريا لاستقبال ما يزيد عن 200 ألف سوري فوراً أقامتها الدولة السورية، فإن ثمة عاملين أساسيين لا يخدمان هذا الهدف، وإن كان ربما من باب الدعاية السياسية ليس أكثر، أولهما أن لبنان الرسمي بات ضعيفاً الى حدّ عدم القدرة على الحسم وهو يتخبّط في كل ملفاته العالقة، ويدور صراع ما بين وزارة الشؤون الاجتماعية التي تملك تفاصيل الملف، وبين وزراة المهجرين التي أوكل إليها مجلس الوزراء المتابعة من دون أن تملك زمامه وتفاصيله. وبالتالي إفادة النظام السوري من هذا الانقسام لرمي كرة النزوح واللجوء في الملعب اللبناني لأنه غير مستعجل العودة ولا تفيده في شيء.
والعامل الثاني عدم رغبة النازحين في العودة بدعم من المنظمات الدولية التي توفر لهم المأكل والمشرب والتعليم والاستشفاء، وهي أمور غير مضمونة الجودة في حال العودة. وفي هذا المجال، فتح الأمن العام 17 مركزاً لتسجيل أسماء الراغبين في العودة الى سوريا، وهذه المراكز أمّنت العودة الطوعية والآمنة لآلاف السوريين سابقاً، لكن منذ سنتين لم يتقدّم أي نازح سوري لتسجيل اسمه، وهنا يسأل اللواء إبراهيم: كيف نستطيع إعادة ألف نازح لا 15 ألفاً إن كانوا غير راغبين، وما دام الشرط الأول الدولي للعودة هو العودة الطوعية؟
هذا الملفّ، كغيره، بات يحتاج الى حزم وحسم، لعلّ العهد الجديد، الآتي وإن تأخر قليلاً، يجعله أولوية في خطاب القسم، ويتضمّنه البيان الوزاري، لأن تداعيات استمراره ستكون خطيرة جداً.