كتبت النهار
بعد عشرين يوماً تنتهي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية يحلّ مكان الرئيس الذي ستنتهي ولايته في 31 تشرين الأول المقبل. ولا يبدو في الأفق حتى الآن أن انتخاب الرئيس الجديد سيتم في الموعد الدستوري، إذ تكاد تُجمع مصادر المعلومات القريبة من الجهات السياسية الوازنة في البلاد على استحالة تفادي فراغ في رئاسة الجمهورية، كما على أن الجهد الأكبر يُبذل في هذه المرحلة وخلال الوقت القصير الباقي لترتيب الوضع الحكومي تلافياً لفراغ آخر في السلطة التنفيذية التي يشكّلها مجلس الوزراء مجتمعاً والتي ليس رئيس الدولة جزءاً منها بحكم الدستور. ذلك أن فراغيْن بالحجم الكبير المُشار إليه يُنهيان الدولة ويضعان اللبنانيين على طريق المجهول ولكن المعلوم في آن واحد. لهذا السبب يحاول “حزب الله” و”الثنائية الشيعية” التي هو جزء منها الضغط على الحلفاء والأصدقاء كما على الأخصام والأعداء من أجل إزالة أي شك في دستورية قيام الحكومة المستقيلة والمصرّفة للأعمال بممارسة مهمات رئاسة الجمهورية في حال وقوعها في الفراغ ولا سيما بعدما قرّر الرئيس عون و”تياره الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل أنها بحالتها الراهنة لا تستطيع ملء فراغ الرئاسة الأولى. لكن المثل الذي يقول “الجمل بنية والجمّال بنية” ينطبق تماماً على الوضع الراهن. فالرئيس المكلّف تأليف حكومة جديدة سعى الى إنجاز مهمته، لكنه فشِل لأسباب متنوّعة أبرزها وضع الثنائي الرئاسي – العائلي العقبات في طريقه الأمر الذي أوحى أن مشروعهما الأساسي هو وراثة النائب جبران باسيل عمّه الرئيس في الرئاسة وفي المهلة الدستورية. وإذا عجِز عن ذلك وهذا صار ثابتاً وأكيداً فإن مصلحتهما تقتضي تأليف حكومة جديدة كلياً أو إدخال تعديلات على الحكومة الحالية المستقيلة والمصرّفة للأعمال تكون لهما فيها حصةٌ وازنة عدداً وحقائب مهمة يوظفانها للتمهيد لإنهاء الفراغ الرئاسي بتمكين باسيل من التربّع على سدّتها في وقت لاحق، سواء بعد الفراغ أو بعد ملئه ولكن على نحو يجعله ممسكاً بالدولة ومرافقها الأساسية المتنوّعة عبر تعيين محازبيه وحلفائه وأنصاره فيها، علماً بأن هناك من يعتقد أن الفراغ الرئاسي من شأنه إزالة العقبة الدستورية التي تحول دون انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للدولة، إذ تسقط المهلة التي نصّ الدستور على ضرورة إنقضائها قبل أن يحق لـ”القائد” الإنتقال من اليرزة الى بعبدا. وهو نصّ أيضاً على استحالة انتخابه رئيساً وهو في موقعه العسكري إلّا إذا جرى تعديل للدستور.
في هذا المجال قد يكون مفيداً إطلاع القرّاء على بعض ما جرى في اللقاءات المباشرة وبواسطة الأصدقاء وسعاة الخير في الفترة القريبة الماضية على صعيد تأليف الحكومة، إذ من شأن ذلك إعطاء فكرة واضحة للبنانيين عن المعرقلين. كان البحث في البداية بين الرئيسين عون وميقاتي يتركّز على إبدال عدد محدود من وزراء الحكومة المستقيلة أي 3 أو 4 منهم وزير الاقتصاد السنّي أمين سلام ووزير المهجرين الدرزي عصام شرف الدين ووزيرة التنمية الإدارية نجلا رياشي، بوزراء آخرين أحدهم درزي محايد إذا جاز التعبير بين الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان أو مقبول منهما معاً. وقد عبّر ميقاتي عن موافقته على ذلك في لقاء جمعه مع عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في قصر بعبدا كان مخصّصاً أساساً للبحث في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وذلك بقوله “أنا موافقٌ هات المرسوم الآن وأنا مستعدّ لتوقيعه”. ردّ عون: “أنا غيّرت فكري”. سأله ميقاتي: “ليش؟” فكان جوابه: “الوزراء يللي عندي تعبانين وكسلانين”. سأله ميقاتي مجدداً: “ماذا تريد؟”. أجاب: “النائب أمل أبو زيد وزيراً للخارجية وإدي معلوف وزيراً للشؤون الاجتماعية والوزيرة السابقة زينة عكر وزيرةً للدفاع والمستشار القانوني في رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي وزيراً للعدل”. علّق ميقاتي: “بذلك تهيّج المسيحيين ضدّك”. ثمّ علّق بري: “ما بتمشي الأمور هيك”. ردّ عون: “لا بدها تمشي”. ثم تابع عون شرح مشروعه فقال: “أنا غيّرت. بدّي غيّر كل الوزراء المسيحيين وعيّن الذين لي مكانهم”. يبدو استناداً الى مصادر لا يرقى الشك الى قدرتها على الوصول الى المعلومات ومصادرها أن الاجتماع الذي دعا إليه النائب جبران باسيل لوزراء “التيار الوطني الحر” في اللقلوق أخيراً كان هدفه لومهم وربما “توبيخهم” لأنهم لم يكونوا “قبضايات”. وكان يعدّهم بذلك لتقبّل فكرة تغييرهم كلّهم أو بعضهم في الحكومة “المرمّمة” أو في أي حكومة جديدة، وفُهم في حينه أن باسيل يريد تغيير وزير العدل هنري خوري ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب وإحلال أمل أبو زيد مكانه. وهذا أمرٌ إذا حصل فقد يدفع الولايات المتحدة الى فرض عقوبات على بعض الوزراء الجدد. هذه الأمور كلّها تناولها اجتماع الرؤساء في بعبدا أيضاً. وقد ردّ عليها ميقاتي: “أنا لا أستطيع أن أعطيك كل ذلك”. فكان جواب عون: “بدّي شيل المسيحيين كلّهم وغيّرهم ومنهم نائب رئيس الحكومة”.
ما الهدف من ذلك كله؟ لم يعد باسيل يريد رئاسة الجمهورية الآن لتأكده من استحالة التربّع على سدّتها. لكنه يريد حكومةً تتسلم البلاد سنتين على الأقل وتحكمها وبعدها ربّما تُرفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه وتُصبح طريق الرئاسة سالكةً أمامه. وما لا يعرفه باسيل أو يعرفه ويتجاهله هو أن “حزب الله” الحليف الأول والوحيد لعمّه الرئيس ثم له “مقتنع بأن البلاد لا يمكن أن “تحمل” جبران باسيل”. وقد عبّر عن ذلك أمام نائب أو أكثر من كتلته.
ما موقف البطريرك بشارة الراعي من ذلك؟ لقد عبّر عن موقفه في اجتماعاته مع سياسيين أبرزهم ميقاتي بالقول: “لا نريد سيطرة أحد على الحكومة”. أخيراً ما موقف الولايات المتحدة؟ هو استناداً الى متعاطين معها من اللبنانيين: “كل من يقف في وجه انتخابات رئاسة لبنان ستُفرض عليه عقوبات”. وقد تواصلت واشنطن مع فرنسا في هذا الموضوع وغيره وتمّ اتفاق على زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية بيروت قريباً جداً كي تُبلغ المسؤولين اللبنانيين ذلك وفي مقدمهم عون وأيضاً “حزب الله” الذي تنسّق معه فرنسا جيداً.