كتبت النهار
اليوم 17 تشرين. لا شيء يشبه الامس. الانتفاضة التي انطلقت شرارتها في 17 تشرين الاول قبل ثلاث سنوات، سرقتها الاحزاب والاجهزة وزعران الشوارع. وحده الرئيس سعد الحريري سارع الى تلبية مطالبها، فاسقط حكومته تلبية لارادة شعبية. لكن الشارع لم يلتقط تلك الاشارة. ظل رافضا كل وجوه السلطة، الفاسدين منهم وغير الفاسدين ايضا. مضى بمبدأ اللامبدأ، لان الاساس هو محاسبة المرتكبين والفاسدين ومستغلي السلطة، لا رفض كل من تعاطى الشأن العام، ايا تكن سيرته ومسيرته.
لا حاجة اليوم الى تقييم تلك الحركة الجماهيرية التي بدأت وطنية قبل ان تنحرف عن مسارها، وينسحب اهلها الحقيقيون من الشارع، لتتحول الة تخريب بنايات العاصمة ومحالها، وتكسير واجهاتها، وجعلها مدينة من الماضي، بعدما كانت تتوثب باستمرار للمحافظة على شعارها “بيروت مدينة عريقة للمستقبل”.
اليوم لا حاجة لتقييم الانتفاضة، بل حاجة لقراءة الواقع بواقعية وحياد وتجرد، ليتمكن اللبنانيون من الخروج من ازمتهم بخطوات واثقة، ولو بطيئة، تجنبا لغرق كلي ليس من بعده قيامة.
كأن اللبنانيين لم يتعلموا من اخطاء الماضي، ولا يريدون ذلك، يعترضون في الصالونات، وفي جلسة “اركيلة”، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. يراقبون ما يحصل في فرنسا، وفي ايران، وفي كل بلد عربي واجنبي، ويطلقون مواقف التأييد، او الاستنكار، كأنهم يعيشون بألف خير، ولا يعوزهم شيء.
حتى الذين يقصدون الشارع للمطالبة بودائعهم، يعدون بالعشرات، وكأن المودعين الاخرين قد ضمنوا حقوقهم، او انهم استسلموا لفكرة مصادرتها. لا كهرباء ولا مياه، ولا مازوت يكفي، ولا يثور اللبنانيون ولا ينتفضون على هذا الواقع المزري. صحيح انهم شعب عظيم لكثرة تعرضه للحروب والاضطهاد وصموده في وجه الاحتلالات على انواعها، لكن العظمة يجب ان ترفض الظلم والقهر والجوع، لا ان يتمسك هؤلاء بزعماء اوصلوهم الى ما هم عليه من بؤس. 17 تشرين تستحق انطلاقة جديدة، مختلفة، بنسخة منقحة.