كعادتها في وأد أي محاولة مبادرات للتلاقي والحوار، في كل الدول التي لديها فيها نفوذ وشخصيات وأحزاب وقوى تابعة لها، أوعزت السعودية الى أطراف لبنانية عديدة في مقدمتها القوات اللبنانية وبعض النواب التغييرين وبعض الهيئات الشعبية، إلى أن يرفضوا المشاركة في حفل العشاء الذي كانت ستنظمه السفارة السويسرية في لبنان غداً الثلاثاء، والذي كان من المفترض أيضاً أن يكون مقدمةً لمؤتمر حوار يعقد في المدينة السويسرية “جنيف” بعد شهر تقريباً.
هذه المساعي السعودية لإفشال الحوار، جاءت من خلال سفيرها في لبنان وليد البخاري، الذي غرّد على موقع تويتر، بطريقة فجّة تُظهر بوضوح تدخّلهم في الشؤون الداخلية للبنان، زاعماً حرصهم على اتفاق الطائف والعيش المشترك والوطن الموحّد، بينما غاية الرياض الحقيقية، هي منع اللبنانيين من الحوار، لا سيما بين حزب الله والأطراف الأخرى.
فحزب الله وفقاً لمصادر خاصة بالخنادق، أبدى استعداداً تاماً لتلبية دعوة العشاء والمشاركة في مؤتمر الحوار في جنيف أيضاً، بما يتوافق مع موقفه الثابت في اللجوء الى الحوار بين القوى السياسية اللبنانية، كسبيل وحيد لحل الأزمة في لبنان.
وقد استطاعت السعودية من إفشال مساعي السفارة السويسرية، التي أصدرت بياناً أعلنت فيه تأجيل هذا العشاء الى موعد لاحق، مضيفةً بأنه من التقاليد السويسرية بذل مساع حميدة عندما يطلب منها ذلك، مبينةً أن هذه المناقشات المزمع عقدها قد جرى التخطيط لها نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الاطياف السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية، في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني. وشرحت السفارة بأن العشاء كان بصفة غير رسمية، ويهدفُ إلى تعزيز تبادل الافكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية. موضحةً بأن الاسماء المتداولة في وسائل الاعلام لحضور العشاء، لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً.
فبحسب وسائل إعلامية معروفة التوجه والعلاقات مع السعودية، فإن العشاء الذي تستضيفه السّفيرة السويسريّة لدى لبنان ماريون ويشلت، كان سيجمع ممثّلي معظم الأحزاب اللبنانية (حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، التقدمي الاشتراكي، ونواب من قوى التغيير). فيما أكدّت وسائل إعلامية أخرى أن الدعوة لم توجه فقط الى الاحزاب السياسية التي ستشارك في العشاء ومنها احزاب كبرى كحزب الله، بل شملت أيضاً عددا من الشخصيات اللبنانية، وشخصيات تمثل اطياف التنوع السياسي اللبناني. نافيةً ارتباط هذه الدعوة بالبحث عن بديل للنظام السياسي واتفاق الطائف.
القوات اللبنانية وبعض النواب التغييرين: أول من رمى!
وكما يرد في الكثير من قصص التاريخ، سارعت القوات اللبنانية وبعض النواب التغييرين وبعض الجهات اللبنانية الأخرى، الى عرقلة هذه المبادرة عب تغريدة البخاري، وكأنهم بذلك يقولون: “إشهدوا لي عند الأمير…”.
فالنائب ملحم رياشي، الذي كان من المفترض أن يشارك في العشاء ممثلاً للقوات اللبنانية، اعتذر في تغريدة عبر حسابه على تويتر، عن عدم المشاركة في العشاء المرتقب، معتبراً أن العشاء أُسيء فهمه وحُمِّل أكثر من حجمه، بانتظار توضيحات تحدد الخلفيات إذا ما وجِدت خلفيات (وهذا تأكيد على أن القوات كانت تعلم بتفاصيل الحوار).
ثم أصدرت القوات بياناً عبر دائرتها الإعلامية، كشفت فيه بأن أولويتها الحالية هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وليس الحوار الوطني. ملمّحةً إلى أن “دعوة الحوارات العقيمة التي لا تؤدي الى نتيجة” هي للقفز فوق الانتخابات الرئاسية، مدعيّة حرصها على اتفاق الطائف والدستور. كاشفةً عن السبب الحقيقي لرفضها المشاركة في العشاء، بما يبين رضوخها لطلب السفارة السعودية حينما قالت: “لم يتبيّن بالتجربة أنّ حزب الله بصدد مراجعة مواقفه ومناقشة جدوى سلاحه، خصوصًا أنّه لا يمكن أن تستقيم دولة في ظلّ سلاح خارجها، وبالتالي لا نرى أي فائدة من استعادة حوارات عقدت عدّة حلقات منه ولم تؤدِّ الى أي نتيجة في ظلّ تمسك حزب الله بوضعه الحالي المخالف للدستور والقوانين ومصادرة قرار الدولة الاستراتيجي”. وهذا ما دفعها الى وضع شرطين، لكي تشارك في أي حوار، واحد منهم يبيّن مدى ارتهانها للخارج حينما اشترطت انجاز ورقة عمل مسبقة “تلتزم بالدستور واتفاق الطائف والمرجعيات الدولية والعربية”.
أما النائب التغييري وضّاح الصادق، فكان من أكثر المتحمسين لتلبية المساعي السعودية، حينما هدّد يوم الأمس بالانسحاب من تكتل التغيير في حال شارك أحدهم في العشاء قائلًا “دستور الطائف مرجعيتي السياسية” – وهو الذي أكد سابقاً في مرات عديدة أن ما يسمى بثورة وثوار 17 تشرين هم مرجعيته – مضيفًا بأن “مواقف بعض الزملاء بالتكتل يهدد صمود التكتل برمّته”.