في دراسته في “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”، يشرح الباحث اليهودي إيلعاد لحماني كيف تغلّبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على العقوبات الغربية المفروضة عليها ويشير الى النظام الصلب الذي لم يهزّ في زمن الأزمات” ويقول “تحطمت التوقعات بأن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى اضطرابات سياسية وإسقاط النظام، على الرغم من أننا شهدنا في الأسابيع الأخيرة احتجاجات عنيفة” لكنها لم تؤثر “في عمليات صنع القرار للنظام فيما يتعلق بالبرنامج النووي في الماضي ولا الآن، كما تُظهر القيادة الإيرانية صلابة غير عادية في المفاوضات مع الأمريكيين، بينما لا ترغب في المساومة”.
المقال المترجم:
يتسم السلوك الغريب في السوق الشرق أوسطي المتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، بشكل أساسي بعجز الغرب، فعلى مدى عقدين من الزمن كانت الولايات المتحدة تعلن – والغرب بعدها (ناهيك عن إسرائيل) – عن حربها الاقتصادية باعتبارها المكون الرئيس – والوحيد في الواقع – لمنع البرنامج النووي الإيراني، بينما يُعلن عن “عقوبات غير مسبوقة”.
وخلال عقدين من الصعب تحديد درجة نجاح السياسة الأمريكية في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، قد يقول البعض إن العقوبات أبطأت البرنامج النووي الإيراني إلى حد كبير، والبعض الآخر قد يبرز استعداد إيران للتوصل إلى اتفاق عام 2015 نتيجة ضغوط اقتصادية دولية، لكن في اختبار النتيجة النهائية لم تسفر العقوبات على إيران عن وقف المشروع النووي، أو الإطاحة بالنظام، أو وقف الدعم للمنظمات المعادية حول العالم.
لماذا لم تؤد العقوبات إلى نتيجة؟
سيقول الخبراء الاقتصاديون إن العقوبات الاقتصادية أثرت بشدة على جميع المتغيرات الاقتصادية في إيران، فلم يسلم أي مجال من مجالات الحياة في إيران من العقوبات تقريباً، بما في ذلك قطاع الطاقة والنفط والقطاع المالي وقطاع البتروكيماويات، وفُرضت عقوبات على كبار مسؤولي النظام والحرس الثوري.
كما أدت العقوبات إلى مغادرة العديد من الشركات الدولية – بما في ذلك الشركات غير الأمريكية – وتقليص الاستثمارات في البلاد، حيث تم قطع البنوك الإيرانية تماماً عن نظام الدفع العالمي، مما أعاق بشدة قدرة الشركات الإيرانية على الدفع للموردين الأجانب.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الحظر المفروض على قطع الغيار واستيراد المنتجات للشركات الإيرانية إلى موجة بطالة كبيرة في إيران، فمنذ بداية عام 2010 توقف موردي الوقود الرئيسيين عن توريد منتجات الوقود إلى إيران.
وأدى تشديد العقوبات على إيران إلى انخفاض قيمة العملة الإيرانية مما أدى إلى إلحاق الضرر بثقة الجمهور في السياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية وتباطؤ التجارة بسبب عدم اليقين في التسعيرة، إضافةً إلى إلحاق أضرار جسيمة بمدخرات معظم الناس.
كان على الحكومة الإيرانية الحد من سحب العملات الأجنبية من خارج البلاد، ونتيجة لذلك وجد الطلاب الإيرانيون الذين يدرسون خارج البلاد صعوبة في تمويل دراستهم واضطروا للعودة إلى إيران، ناهيك عن صعوبات الاستيراد وتراجع قيمة العملة المحلية إلى زيادة كبيرة في أسعار العديد من المنتجات الأساسية في إيران.
تجلى الضرر الجسيم الذي لحق بالشعب الإيراني – أولاً وقبل كل شيء – في انخفاض قدرة المواطن على دفع ثمن المنتجات من أجل معيشته اليومية، وفي رداءة جودة المنتجات في السوق، مما أدى إلى استمرار النقص المزمن في المنتجات الأساسية.
وفي ذروة وباء كورونا، كان الانخفاض في نقص اللقاحات واضحاً، لكن الإيرانيين ما زالوا يفتقرون إلى سلسلة من المنتجات، وفي الأساس تضرر مستوى معيشة السكان على الرغم من أنه – في دراسة نشرها الدكتور جيل فايلر- زُعم أنه كان هناك بالتحديد زيادة في الناتج القومي خلال فترة بايدن.
تحطمت التوقعات بأن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى اضطرابات سياسية وإسقاط النظام، على الرغم من حقيقة أننا شهدنا في الأسابيع الأخيرة صحوة في الشارع (مظاهرات مدعومة خارجياً) واحتجاجات عنيفة، ولم يؤثروا في عمليات صنع القرار للنظام فيما يتعلق بالبرنامج النووي في الماضي ولا الآن، كما تُظهر القيادة الإيرانية صلابة غير عادية في المفاوضات مع الأمريكيين، بينما لا ترغب في المساومة.
كيف تمكن الإيرانيون من بناء خطة استراتيجية تسمح لهم بالبقاء على الرغم من العقوبات الاقتصادية والحفاظ على النظام واستمرار البرنامج النووي؟
فهم الإيرانيون أن الوقوف في وجه العقوبات الدولية يتطلب بناء خطة تعترف بنقاط الضعف في استخدام العقوبات وإيجاد الحلول المناسبة، وكانت تجربة كوريا الشمالية الطويلة الأمد مع العقوبات الأمريكية بمثابة دليل للسياسة الإيرانية.
تتمثل إحدى نقاط الضعف الرئيسية في سياسة العقوبات في الافتقار إلى التعاون الدولي الكامل الذي يمكّن من إنفاذ العقوبات، كانت الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين شريان حياة مهم للغاية، وكما في حالة كوريا الشمالية، رأت إيران في الصين ركيزة أساسية للالتفاف على العقوبات.
يجب أن يضاف إلى ذلك (وكان هذا قبل الحرب الروسية الأوكرانية) النقد المتزايد في الغرب لسياسة العقوبات الأمريكية، والتي اعتُبرت تمييزية وانتقائية لأنها تخدم الاقتصاد الأمريكي، وكانت الخطوة التالية هي استخدام البنية التحتية المالية لدول الخليج، وخاصة قطر والإمارات، مع العلم أن تطبيق القانون الأمريكي لن يتم في هذه الدول.
اكتشف الإيرانيون أيضاً أنه من السهل إقناع الشركات العالمية والمعروفة بالإبقاء على العقوبات، لكن من الأصعب بكثير إيقاف التجارة مع الشركات الأصغر، تلك التي ليس لها مصالح اقتصادية في الولايات المتحدة.
لقد وجدت إيران طريقة لتسويق أهم مورد للاقتصاد الإيراني – النفط، حيث سمح استمرار تصدير النفط إلى دول مثل الصين وفنزويلا والهند للإيرانيين بإعالة أنفسهم اقتصادياً، كما وجدوا طرقاً متنوعة للالتفاف على العقوبات الأمريكية، وكان أبرزها: إطلاق سفن محملة بناقلات نفط من إيران، عندما تم نقل النفط في وسط البحر إلى ناقلات أجنبية، خاصة من العراق. بهذه الطريقة تسلمت سلسلة من الدول حول العالم النفط الإيراني، وبهذه الطريقة حقق الجميع ربحاً.
أهم عنصر في الخطة الإستراتيجية للإيرانيين للتعامل مع العقوبات كان الفصل بين اقتصاد البلاد واقتصاد الحرس الثوري. طور الإيرانيون مجموعة من شركات التغطية حول العالم، بما في ذلك مجموعة مالية منفصلة تماماً عن الشركات والكيانات الخاضعة للعقوبات، ولكنها تخدم بشكل كامل وتحت السيطرة الكاملة للحرس الثوري. هذه الشركات الموجودة في دول مختلفة مثل الإمارات العربية المتحدة والصين وتركيا وهونغ كونغ، تمكن البنوك الإيرانية والمستوردين والمصدرين من إجراء المعاملات الدولية وتحويل العملات الأجنبية بكميات ضخمة.
يستغرق بناء نظام يتجاوز العقوبات سنوات، ومثل هذه الخطوة كان من الممكن أن تكون مفيدة للولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق أفضل بكثير، ومن المحتمل أن الضرر الذي لحق بإيران كان سيعطل المشروع النووي، حتى في عصر الاتفاق.
المصدر: معهد القدس للاستراتيجية والأمن
الكاتب: إيلعاد لحماني