كتبت النهار
موعدنا اليوم مع جلسة اخرى لمجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. طبعا لن يتم الاستحقاق. سوف تنعقد الجلسة ثم ما تلبث ان تفقد نصابها، لأن ثمة فريقا في البلد لا يزال يختطف الموقع في سياق سعيه لفرض رئيس جديد على غرار الرئيس الحالي ميشال عون الذي يهمّ بالرحيل عن قصر بعبدا بعد ست سنوات عجاف تاركا بلدا طعما لاكبر واخطر ازمة شهدها الكيان اللبناني منذ ولادته. ومع ذلك يواصل الرئيس الحالي مسارا تعطيليا لمنع وصول رئيس من طينة مختلفة عنه، تقطع مع هذا المسار الكارثي الذي عانى منه لبنان. اكثر من ذلك ثمة مفاوضات جارية على قدم وساق في مسارين متلازمين لا يلتقيان. الأول محاولة اقتناص فرصة حاجة لبنان لحكومة جديدة مكتملة الاوصاف من اجل مواكبة مرحلة الشغور الرئاسي الذي صار الأكثر احتمالا، من اجل البقاء في قلب معادلة السلطة التنفيذية حتى بعد رحيل رئيس الجمهورية الحالي. والثاني فتح استدراج العروض من المسترئسين المعروفين في محاولة لحرق من يمكن احراقه، وفرض اشتراطات على من يمكن ان تكون عنده فرصة جدية للوصول الى موقع الرئاسة، والأهم بعد فشل محاولة اقتناع الحلفاء ببقاء الرئيس الحالي في قصر بعبدا من دون ان يقابَل بعاصفة محلية، عربية، ودولية، إطالة امد الشغور الرئاسي الى ابعد حد ممكن بحكومة جديدة او بدونها من أجل مواصلة ارهاق المرشحين الآخرين وتشتيتهم بعد احراقهم الواحد تلو الآخر، لعلّ خليفة الرئيس عون ونسيبه يفلح في تعبيد طريقه نحو بعبدا، مستندا الى حلف “مقدس” مع “حزب الله” الطرف الأقوى في البلاد والذي يفرض سطوته على بقية المكونات السياسية إما تواطؤا وإما استسلاما، ومستغلا أي فرصة ولو صغيرة من اجل استمالة نوع من التأييد الدولي لطموحه على قاعدة التسليم بالامر الواقع بمجيء رئيس يحسن فن تبادل الخدمات مع الجميع. ولعل صفقة ترسيم الحدود المثلثة الاضلاع لخير دليل على ان آمال هذا الفريق في مكانها. فتصنيف “حزب الله” بالتنظيم الإرهابي من قِبل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وعداء إسرائيل الوجودي مع ايران واذرعتها في المنطقة لم يمنعا عقد صفقة امنية – سياسية – اقتصادية تقاطعت عندها مصالح إقليمية ومحلية من طهران الى تل ابيب مرورا بحارة حريك وأخيرا قصرا بعبدا، كل ذلك بوساطة من “الشيطان الأكبر” ومباركة منه.
اذاً جلسة مجلس النواب الى كونها ستفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبقى أهميتها في انعقادها، وفي كونها مرة بعد مرة تحرك هذه المياه الراكدة حتى الآن ربما لأن الطرف المهيمن على الساحة عاجز حتى الآن عن فرض رئيس يخضع له شأن الرئيس الحالي بسلاسة تذكّر بتسوية العام 2016. الظروف اكثر تعقيدا لكنها غير مستحيلة امام طرف يتقن فن الانتظار من موقع القوة تاركا خصومه يتخبطون في ما بينهم حول أسلوب مواجهة الحالة الشاذة التي تسللت الى عمق الأعماق في البنية الوطنية اللبنانية وهي تواصل تجويف الصيغة، والنظام، والتوازنات، ونمط العيش، والديموغرافيا الدقيقة في البلاد. اما الأطراف الأخرى التي نكاد نقول انها لا تزال هجينة بالسياسة في مكان ما مثل مجموعة النواب التغييريين، فهي في حالة انعدام وزن وتمضي في طريقها هائمة على وجهها.