محمد دهشة – نداء الوطن
في مؤشّر سلبي جديد يشير بوضوح الى بدء تفشّي الـ»كوليرا» في منطقة صيدا، سجّلت اول اصابة في بلدة الغازية لطفلة سورية تبلغ من العمر عامين، كانت تزور مع اهلها أقارب لهم في عرسال البقاعية، حيث التقطت العدوى قبل عودتها الى الغازية حيث تقيم، ما أرخى بظلال من القلق على أبناء المنطقة برمّتها، وجدّدت بلدية الغازية والهيئات الطبية دعوتها للاهالي الى توخّي الحذر والالتزام بالاجراءات الوقائية، قبل ان يتمّ نقل الطفلة وعائلتها خارج البلدة ريثما تتماثل للشفاء منعاً لانتقال العدوى.
وتوقّعت أوساط طبية لـ»نداء الوطن» بدء انتشار الـ»كوليرا» في المنطقة ولكن بأعداد قليلة، «ذلك أن البنى التحتية في بلداتها ومدينة صيدا، وتحديداً شبكات المياه ومجاري الصرف الصحي بحالة جيدة، ويبقى الخطر الأبرز الاختلاط مع مصابين من دون معرفتهم في فترة الاحتضان اولاً من خلال تناول البقلة والخضار اذا كانت ملوثة بـ»البكتيريا».
ولاحظ مراقبون ارتفاع أسعار غالبية الأدوية المتعلقة بمعالجة الـ»كوليرا» من جهة وشحّها او فقدانها في الصيدليات وخاصة ما يتعلّق منها بالامصال من جهة أخرى، ناهيك عن تراجع الاقبال على شراء البقلة والخضار وخاصة البقدونس والكزبرة وغيرهما وتحديداً من «البدويات» اللواتي يتواجدن في سوق صيدا في شارع الشاكرية.
في السوق، تحزم «أمّ محمّد» بقلتها الطازجة، وقد قطفتها للتو من منطقة الجيّة حيث تسكن، تفترش الأرض جانباً مع بعض البائعات التي يطلق الصيداويون عليهنّ لقب «البدويات»، وتواظب منذ عشرة أعوام على روتينها بعدما ورثت المهنة من عائلتها، واعتادت على هذا العمل اليوميّ الشاق بين القطاف والتنقّل والبيع، لتكمل إرثاً امتدّ لأكثر من ثلاثين عاماً.
وتقول أم محمّد لـ»نداء الوطن»: «إنّ سوق الشاكرية بات مشهوراً بعرض البقلة حيث ينتشر الباعة لكسب قوت يومهم. كل شيء من خير الارض، وكل واحد يأخذ رزقه. العمل شاقّ ولكن لا بد منه للعيش بكرامة. للأسف تراجع البيع بسبب ارتفاع سعر كل الخضار وعدم اقبال الناس على شراء البقلة خوفاً من ان تكون ملوثة، علما اننا نزرعها في أرضنا ولا نقطفها من الاراضي البورة، اي اننا على يقين بأنها تروى بمياه نظيفة».
تجلس «أم محمد» كل يوم ساعات تحت أشعة الشّمس، تحتمي منها بارتداء قبعة من القش، ترتسم على وجهها علامات الشقاء والجروح التي تحاكي قصة كفاحها، ترتدي قفّازاً أصفر لترتيب بقلتها: الفجل، والبقدونس، والبندورة والخس والعليت والبامية والسلق والنعناع التي تتداخل مع بعضها البعض لتشكل قوس قزح بألوانها الزاهية، تترجمه أملاً بلسانها الذي لا يكف عن إطلاق «القفشات» مع زبائنها والمارة، لتكسر الرتابة والقلق بنشر البسمة والبهجة وسط الظروف الخانقة.