عبد الكافي الصمد
تعيش المدارس الرسمية في طرابلس هاجساً كبيراً تحت وطأة الخوف من ظهور مرض الكوليرا وتفشّيه فيها، ولا سيّما أنها تشكو من انقطاع المياه عنها منذ فترة طويلة، كما يؤكد مدير إحدى المدارس الرسمية في محلة أبي سمراء: “المياه مقطوعة منذ أكثر من سنة، وقبل الأزمة الحالية كانت تصلنا ساعتين أو ثلاثاً في الأسبوع، فلم تكن خزّاناتنا تمتلئ سنوياً بأكثر من 10 آلاف ليتر، ما لا يكفي حتى للاستخدام الشّخصي، وكنّا نضطر أحياناً لشراء صهاريج مياه لهذه الغاية”. ويضيف: “في الأيّام الأخيرة، وبسبب أزمة المحروقات وافتقاد الصهاريج إلى مادة المازوت، اضطررت إلى دفع مليون و400 ألف ليرة ثمن الصهريج الذي لا يتسع لأكثر من 8 آلاف ليتر ماء للاستخدام الشّخصي”.
ويلفت المدير إلى أنّ “مصروف المدرسة من مادة المازوت الشّهر الماضي بلغ 10 ملايين ليرة، وهو مبلغ يوازي السّقف المسموح لنا سحبه من حساب صندوق المدرسة في المصرف، وللحصول على موافقة على سحبه نضطر للذهاب إلى المصرف مرّات عدّة. ولكن بعدما وصلنا إلى سقف المبلغ المسموح لنا سحبه هذا الشهر وقعنا تحت عجز، بحيث بتنا غير قادرين على دفع أجور الخدم أو إصلاح أيّ عطل في المدرسة، أو حتّى شراء لمبة”.
لا مياه ولا موادّ تعقيم
ما يقوله مدير المدرسة أعلاه، يشاركه فيه معظم مديري المدارس والثانويات الرسمية في مدينة طرابلس، وجميعهم فضّلوا عدم ذكر أسمائهم “حتى لا نقع في مشكلة مع وزير التربية”، على حدّ قول أحدهم. يتساءل: “عندما تفتقر غالبية المدارس الرسمية في طرابلس إلى المياه، كيف يمكن احتواء مرض الكوليرا؟ وكيف تطلب وزارتا الصحّة والتربية القيام بعمليات تنظيف وتعقيم ولا يوجد عندنا مياه، ولا أموال لشراء أدوات التعقيم؟ هل يعلم وزيرا الصحّة والتربية الواقع على حقيقته، أم أنّهما يعيشان في كوكب آخر؟”.
شكاوى مديري المدارس والثانويات الرسمية في طرابلس تصل إلى حدّ تحذير أحدهم من “مخاطر المرحلة المقبلة التي لسنا على جهوزية كافية، ولو بالحدّ الأدنى، لمواجهتها”، متخوّفاً من أنّ “ظهور أيّ إصابة بمرض الكوليرا في أيّ مدرسة يعني أنّ المدرسة كلّها سوف تكون في دائرة الخطر”.
وينبّه مدير آخر إلى “أنّنا مقبلون على كارثة حقيقية في القطاع التربوي الرسمي، إذا دخلت الكوليرا إلى إحدى المدارس، في ظلّ عدم وجود تحضيرات وإجراءات بسيطة لمواجهتها، لأنّ ذلك يعني أنّ العام الدراسي سيصبح في خطر، وسيفرض على وزارة التربية إيقافه فترة زمنية ليس معروفاً مدّتها، في ظل عجز وزارتي التربيّة والصحّة عن القيام بما يفترض بهما عمله، سواء بسبب ضعف الإمكانات، أو الفشل في التعامل مع الأزمة”.
تأمين مياه الشرب
ويُجمع مديرو مدارس رسمية في طرابلس على أنّ “هناك مشكلة أخرى تعاني منها هذه المدارس تتمثل في أنّ مياه الشّرب فيها غير سليمة، ومعظمها ملوّث، إذ لا يوجد فلتر ماء في أيّ مدرسة رسمية في طرابلس إلّا في ما ندر، وتلاميذ هذه المدارس أغلبهم من أبناء الطبقة الشّعبية والفقيرة، وهم لا يستطيعون شراء عبوات مياه معدنية بسبب ارتفاع سعرها بالنسبة إليهم، وهؤلاء التلاميذ يجدون أنفسهم مضطرين للشّرب من مياه هذه المدارس، ما يجعل احتمال إصابتهم بالأمراض، ومنها الكوليرا، كبيراً جدّاً”.