كتبت النهار
تقتضي “الشفافية” أمام الواقع السياسي الطالع على لبنان مع نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون عدم تجاهل جانب يلعب دورا جوهريا مؤثّرا، ولو لم يكن عاملا وحيدا، في ردع او فرملة ما كان يمكن ان يواكب او يعقب المهرجان التعبوي الشعبوي الذي اختطّه العونيون في النهاية المعتمة لعهد كارثي. هو جانب سياسي صرف يتصل بحسابات مختلفة غير مألوفة لـ”حزب الله” نعاينها في جوانب من سياساته في الأشهر الأخيرة ولا يعقل الا تصور آثارها على العصبية التي تصرّف بها عون راحلاً عن السلطة ويتصرف بها وارثوه وفي مقدمهم جبران باسيل.
قد يكون ضرباً من التسرع تكبير أي رهان او تقليل أي دلالات حيال معالم ما قد يشكل تحوّلا تكتيا في سياسات “حزب الله” وسلوكياته وهو ما هو عليه من اختلاف في التركيبة البنيوية والهرمية العسكرية والأيديولوجية وذات الارتباط الذي لا فكاك فيه ومنه بايران، بما يعني تعذراً يقرب من الاستحالة في استكشاف سهل لأي تطور يصيب هذا الحزب المتعملق على قدرات الدولة اللبنانية. ولكن في علم القياس والمقارنة والتجارب السابقة والتي منها تجارب دموية داخلية، فان الماثل في سلوكيات الحزب منذ بدء الاستحقاق الرئاسي قبل شهور وليس في المهلة الدستورية فقط حتى خروج ميشال عون، الحليف الذي لم ولن يجد “حزب الله” مَن يماثله في العطاءات والتنازلات والامحاءات المرعبة مسيحيا ولبنانيا ووطنيا وعربيا التي وفرها له من خارج السلطة ومن داخلها، هذه السلوكيات تنطوي على جديد “معقلن” ولو أدى وساهم في الفراغ الرئاسي الناشئ. واذا كان السبب المباشر غير المتنازع عليه في امتناع الحزب عن ترشيح احد حليفيه باسيل او سليمان فرنجية يُعزى الى وقوعه هذه المرة في حفرة العجز عن التوفيق بينهما وعدم القدرة على توفير الأكثرية النيابية لإيصال أي مرشح لمعسكر “الممانعة”، فان اطار الرصد لسلوكيات الحزب يتسع أبعد من الاستحقاق مع موقفه مما آل اليه اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ولو المغالي كالعادة في نمط الاعتداد “بالانتصارات”، وهذا يشكل الركن الآخر الأساسي في رصد هذا التحول. ثم جاءت “ثالثة الاثافي” في “النأي بالنفس” المذهل أمام انفجار الانفعالات العونية عند نهاية العهد الذي سُمّي غالبا، وعن حق، عهد “حزب الله”. فماذا تراه يضمر هذا الحزب غير تحوّل يرسم معالمه “قضمة قضمة” بكل هذه المؤشرات؟
قيل وسيقال الكثير في تفسير عدم اندفاع الحزب الى إحداث انفجار سياسي قد يؤدي الى تفاقم بالغ الخطورة في مجمل نتائج الوضع الكارثي الذي أدى اليه العهد العوني المجسّد للشراكة الاستراتيجية لـ”تفاهم مارمخايل” بمعنى الفشل الذي أفضى الى الانهيار مهما تفنّن الرئيس السابق وحليفه في تحميل خصومهم مسؤولية هذا الانهيار. ومع ذلك فان الرصد الفوري لسلوكيات الحزب يستفاد منه ان التهدئة دليل مراجعة مكتومة للحسابات عقب النتائج الكارثية وإلا لكنّا امام سلوكيات كانت تتصف غالبا بالرعونة وبتوسّل الترهيب والاستقواء مع الخصوم. الآن تُمنى سلوكيات عون وفريقه بصدمة أخرى هي افتقاد الشريك في “استراتيجية الاضطراب” التي تصم سياسات الرئيس السابق وسلوكياته بسمتها الفاقعة منذ ادخله الرئيس امين الجميل في نهاية عهده الى السياسة. تبدلت أحوال لبنان جذريا وحتى الحزب الحديدي معه، والآتي قد لا يكون بالسوء الذي يبدو عليه!