كتبت النهار
صار اللبنانيون مقتنعين بأن نجاح أي فريق سياسي داخلي مهم في إيصال أي عضو فيه أو حليف له الى رئاسة الجمهورية لن يتحقق إن لم يكن يمتلك غالبية في مجلس النواب، وإن لم يكن ضامناً تأمين نصاب جلسة الانتخاب وهو ثلثا عدد أعضائه في المرحلة الأولى ثم غالبية النصف زائداً واحداً لانتخابه في دورة انتخابية ثانية ضمن الجلسة نفسها. وهذا أمرٌ عاشوه جيداً خلال السنتين ونصف السنة اللتين تابعوا فيهما المحاولات الفاشلة لانتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته عام 2014 ثم بعد انتهائها، إذ كان في حينه رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع مرشحاً للرئاسة مدعوماً ممّا كان يُسمّى في حينه مجموعة 14 آذار، وكان “تيار المستقبل” في حينه أحد أبرز أركانها. لكنه أخفق في الوصول الى قصر بعبدا رغم تكرار محاولات انتخابه. عاش اللبنانيون في تلك المرحلة تجربة انتخابية رئاسية أخرى فاشلة رغم عدم وصولها الى مجلس النواب وهي ترشيح “تيار المستقبل” وجهات نيابية عدة زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية للرئاسة بعد حصولها على تأييد مجموعات من النواب قادرة على تأمين نصاب جلسة الانتخاب وإتمامه. وهو أمرٌ سهّله كثيراً حصول فرنجية على تأييد عربي وفّرته المملكة العربية السعودية وعلى تأييد دولي وفّرته فرنسا والولايات المتحدة والفاتيكان. أما فشل هذه التجربة برغم قدرتها على إيصال فرنجية الى القصر الرئاسي في بعبدا فكان سببه رفض حليفه “حزب الله” ترئيسه البلاد لسببين مهمين. الأول عدم إطلاع فرنجية حليفه بالصراحة والصدق المعروفين عنه على قرار ترشّحه والعمل الجادّ لتأمين قبول خارجي مهم له، الأمر الذي جعل “الفأر يلعب في عبّه” كما يُقال، فرفض ترئيس حليفه الذي رفض بدوره حضور جلسة انتخابه والإسهام بتأمين نصابها وتالياً تربّعه على كرسي الرئاسة ما دام “حزب الله” رافضاً لذلك. أما التجربة الرئاسية الثالثة فكانت ناجحة بعد توافر توافق بين مجموعتي 8 و14 آذار باستثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري و”تيار المردة” والحزب التقدمي الاشتراكي على ترشيح رئيس “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون للرئاسة. فانتُخب وتربّع على سدّتها. وفي حينه أكد الذين تعاطوا جدّياً مع هذه المعركة أن توافقاً داخلياً “مستحيلاً” أوصل عون الى الرئاسة وكان بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” و”حزب القوات اللبنانية” وآخرين. وأكدوا أيضاً أن تأييداً دولياً – عربياً لذلك تم الحصول عليه وكانت الولايات المتحدة عماده والمملكة العربية السعودية قيل في حينه إن سببه كان وعد الدولتين بأن “الرئيس” عون سيمارس سياسة خارجية منسجمة معهما لا سياسة تحول دون تحقيق أهدافهما. إلا أن الذي حصل كان عدم تنفيذ عون الرئيس هذا الوعد، وبدء كثيرين الترداد أنه لم يقطع وعداً بذلك، وأن الرئيس سعد الحريري بالغ في هذا الأمر أكثر مما يجب وقد انعكس عليه ذلك سلباً في الأعوام اللاحقة.
لماذا هذا الكلام اليوم؟ للتأكيد أنه إذا أراد فريق داخلي لبناني الإتيان برئيس جمهورية للبلاد فإن عليه سلوك طريقين، واحدة داخلية وأخرى خارجية. الأولى مهمة جداً لأنها تعني ضرورة امتلاك الجهة السياسية أو الجهات العدد الكافي من النواب إما لإيصال مرشحها الى قصر بعبدا أو عدد كبير من النواب يُمكن أن يتحوّلوا غالبية ضرورية لانتخاب الرئيس بتأييد الخارجين الإقليمي والدولي أو أحدهما.
بالانتقال الى الواقع الحالي للانتخابات الرئاسية يمكن القول أن “حزب الله” قد يفعل أو سيفعل المستحيل من أجل إيصال حليفه سليمان فرنجية الى الرئاسة لسببين. الأول أنه لم يَحِد عن “الخطّ” السياسي الإقليمي والداخلي الذي انتهجه مثل جدّه الرئيس الراحل سليمان فرنجية. الثاني تضحيته بالرئاسة الأولى رغم أنها كانت ستصله على طبق من فضّة أو من ذهب وبغالبية محترمة أولاً من أجل إقناع الحزب بأنه لم “يخيخن” عليه يوم أخفى عنه بعض ما كان يُطبخ لترئيسه. وثانياً من أجل عدم تمكين أخصامه أو أعدائه من النيل منه أو من إصابته ليس بمقتل ولكن بجرح عميق معنوي طبعاً الشفاء منه مضمون لكنه طويل. في الحال الراهنة يجد “حزب الله” نفسه أمام حليفين، واحد لا يستطيع أن يؤمّن عدداً مهماً من نواب مؤيّدين له ربما باستثناء كتلته التي تضم نحو 21 نائباً بين محازبين وأصدقاء وحلفاء، وهو النائب جبران باسيل، وهذا يجعله خارج المنافسة لأن شريك “حزب الله” في “الثنائية الشيعية” أي “حركة أمل” ورئيسها نبيه بري لن يؤيّداه للرئاسة مهما تكن الضرورات الوطنية والفئوية و… ولأن “الحزب” نفسه لم يعد مقتنعاً بإمكان ترشيحه حالياً، ولأن الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط لن يؤيّده ونوّابه، ولأن غالبية نوّاب السنة سترفض انتخابه ومعها نوّاب حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وحلفائهما. ومرشح آخر أي سليمان فرنجية لا يستطيع أن يؤمّن وحده إما 65 نائباً للفوز بالرئاسة في دورة انتخابية ثانية وإما 60 نائباً على الأقل بحيث يُصبح ترشحيه الرسمي ممكناً وكذلك خوض معركة شرسة لتأمين نواب خمسة آخرين لا رئاسة له من دونهم.
أين العامل الخارجي الإقليمي – الدولي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية اليوم؟ الخارجان موجودان كما دائماً لكنهما مشغولان بأزمات عالمية كبيرة جداً ومؤذية. فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى مشغولون كما العالم كله بحرب روسيا على أوكرانيا وبتداعياتها على العالم. وأميركا مشغولة أيضاً بوضعها الداخلي في ظل التنافس الشرس انتخابياً وسياسياً بين إدارة جو بايدن وحزبه الديموقراطي والرئيس السابق ترامب وحزبه الجمهوري. والقلق الشعبي من تحوّل ذلك عدم استقرار أمني وسياسي واقتصادي يمكن أن يتحوّل حرباً أهلية بكلّ ما للكلمة من معنى. أما المنطقة بأقطابها الثلاثة إسرائيل وإيران الإسلامية وتركيا أردوغان وبدولها المهمة جداً مثل المملكة العربية السعودية ومصر فمشغولة كلها بمشكلاتها الداخلية وبمشكلات لها مع الولايات المتحدة وهي لا تزال من دون حل. من جرّاء هذا الوضع لا بدّ من انتظار أشهر قد تصل الى ستة قابلة للتمديد لمعرفة التطورات في الدول المعنية بلبنان. يعني ذلك أن الاتفاق الدولي ثم الدولي – الإقليمي على حل لرئاسة لبنان الشاغرة ليس ناضجاً الآن ويحتاج الى وقت كي ينضج.