ميسم رزق – الأخبار
الحال على ما هي عليه الآن مرشّحة للمراوحة، والسيناريو الأقل سوءاً سيرسو على جمهورية بلا رئيس، وحكومة مبتورة، وبرلمان عصيّ على أي اتفاق… مع دخول البلاد في عملية استنزاف سياسية – أمنية يرافقها اتساع بؤر التوتر. هكذا ستطلّ الـ 2023، بمجموعة تحديات موروثة من الأعوام السابقة استحق موعدها، وأخطرها الفراغ الرئاسي الذي تجرى محاولات جسّ نبض من الخارج والداخل لإنهائه، من دون أن تكون هناك أي مؤشرات جديّة لتفاهم يُتيح إنتاج رئيس تسوية… في الملف الرئاسي «الكل مأزوم».
قد يكون من الجيّد بالنسبة إلى حزب الله أن فشل محاولات تجميع تحالف ما بقي من فريق 14 آذار، من أحزاب وتيارات وقوى «تغيير»، حول مرشّح مواجهة. لكن ذلِك لا يلغي أن جانباً أساسياً من الأزمة يكمن في «العداء» المُتصاعِد بين حلفاء الحزب وأصدقائه. صحيح أن «الودّ المفقود» بينَ هؤلاء أزمة عانى منها حزب الله، لكنها لم تكُن تهدّد التوازنات الحاكمة كما هو الآن في معضلة صناعة الرئيس، وعليه فإن المشكلة هذه المرة تستدعي «مجهوداً» كبيراً رغمَ صعوبتها المتمثلة في الآتي:
أولاً، تصرّف التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل كما لو أنه «خليفة» الرئيس السابق ميشال عون في بعبدا وأن لا جدال في ذلك، من منطلق أنه صاحب الكتلة المسيحية التي لا يُضاهيها وزناً سوى القوات اللبنانية، أي الجهة التي هي على يمين خصوم حزب الله. وبالتالي فإن حاجة الحزب «الوطنية» إلى باسيل تفرض عليه ترشيحه.
ثانياً، يدرك باسيل أن حظوظه معدومة وهو يحاول فقط تكريس نفسه كناخب أول وأساسي، إنما المشكلة هي في إلزام باسيل نفسه بموقف لا يُمكن التراجع عنه. فهو لم يُبلغ، حصراً، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رفضه القاطع المُضيّ برئيس حزب «المردة» سليمان فرنجية، بل يُصرّ على إعلان ذلك بصراحة وحزم في كل إطلالة. وهذا يجعل إمكانية التسوية في ما بعد شبه معدومة وتكلفتها أكبر.
ثالثاً، يحاوِل حزب الله دوزنة موقفه بين الحلفاء. فهو لم يقُل أبداً إن فرنجية مرشحه لكنه لم يسحبه من المعادلة، باعتبار أن «المرشحيْن الوحيديْن اللذين يثق بهما الحزب في المرحلة المقبلة هما باسيل وفرنجية ولا ثالث لهما». فالحزب لن يقبلَ بمرشح «لا تجربة سابقة معه في الملفات الاستراتيجية، ولن يكرر خطأ رئيس كميشال سليمان ينقلب على المقاومة وعلى الثوابت الوطنية»، غيرَ أن باسيل رفض أن يكون حزب الله هو الضمانة لإبرام تفاهم مع فرنجية وبرعايته. وعليه، لن يجاري حزب الله باسيل في ما يحاول أن يفعله من طرح أسماء لمرشحين «تكنوقراط» في السياسة.
رابعاً، هناك اتفاق شبه محسوم بين حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي على أن يكون مرشحهما في الرئاسة واحداً، على عكس ما حصل عام 2016، ويحرص الطرفان أكثر من أي وقت مضى على رسم خط أحمر يحمي حلفهما تجنباً لأي صراع شيعي، لذا فإن عهد الرئيس ميشال عون مع الثنائي لن يتكرر، وبالتالي فإن إمكانية الاتفاق مع باسيل غير متوافرة.
من يدقّق في طبيعة المشاورات التي تحصل يدرك أن مرشّح 8 آذار هو سليمان فرنجية حصراً. وأن كل طرف يعمَل على الجهة التي يظنّ أنه يمون عليها. في هذا الإطار، أتت أول من أمس زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى عين التينة، والتي خرج بعدها «مقتنعاً» بعدم ترك الباب مغلقاً أمام التسوية على فرنجية في حال توافرت الظروف الداخلية والخارجية حول انتخابه، خصوصاً أنه أكثر قبولاً عند كثير من الأطراف بما فيها المملكة العربية السعودية، وحظوظه أوفر من باسيل. بينما تقع المهمة الأصعب على حزب الله الذي مهما كانت الظروف لن يتخطّى باسيل في أي تسوية مقبلة، وهو يحرص على أن لا يكون التيار الوطني الحرّ وباسيل خارجها لأسباب عدة، أبرزها أن أي رئيس مسيحي لا بدّ أن يحظى بغطاء من تيار مسيحي قوي، إما التيار الوطني الحر أو القوات، ولأن حزب الله يعتبر أن حليفه القوي أثبت في محطات عدّة «متانة» هذا الحلف رغمَ الاختلاف في وجهات النظر حول كثير من الملفات الخارجية. وعليه، إلى أن يقتنع باسيل بضرورة إنتاج تسوية داخل ما يُسمى فريق 8 آذار، سيكون هذا الفريق أمام أزمة تمنعه من إيصال رئيس للجمهورية من صلبه.