فاطمة شكر – الديار
منذ فترة طويلة، وبعيد الانهيار الذي شهده لبنان عقب تحركات ١٧ تشرين الأول من العام ٢٠١٩، بدأت تظهرُ وتتغلغلُ مؤسسات متنوعة ومختلفة تحت مسمياتٍ عديدة وجميعها منضوية تحت رعاية NGOs المنظمات غير الحكومية، هذه المؤسسات المدعومة من قبل الادارة الأميركية عبر سفارتها في لبنان، والتي تسعى بشكلٍ او بآخر للتدخل في الشؤون السياسية الداخلية من خلال التدخل في شؤون الحكومة لتكون بديلاً عن مؤسسات الدولة، والتدخل في الإفلاس العام السياسي الرسمي، سواء كان على صعيد تشكيل الحكومة اللبنانية او على صعيد انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، حيث الفراغ الذي اسدل الستار عليه بانتظار تعداد الأيام .
من هنا يرى مصدر سياسي متابع ان “هناك تسليط ضوءٍ كبير على جمعيات الـ NGOs من خلال قيام هذه الجمعيات بدعم نوادي الرياضة والتعاونيات التجارية والمؤسسات الزراعية وغيرها من المؤسسات الخدماتية، ما أدى الى خلق تجاذبات داخلية ونقاشات حول عمل هذه الجمعيات وأهدافها”، ويتابع المصدر “أنه قد ظهرت في الآونة الاخيرة ملفات عديدة مشبوهة تحمل توقيع جمعيات تابعة لـ NGOs فيها نهب للاموال والمساعدات التي وصلت من الخارج، مما أثارغضب واشمئزاز بعض المؤسسات الحكومية الدولية، والتي توقفت مباشرةً عن دعم تلك الجمعيات المشبوهة “.
ولم يعد خافيًا على أحد، أن جمعيات المجتمع المدني حاولت، وما زالت تحاول منذ ١٧ تشرين بأن تتلافى التعامل مع اللبنانيين عبر الأطر الرسمية للدولة، مما يشير حكمًا الى سقوط ثقتها ببعض أركانها، وبما أن الفراغ حصل في رأس الدولة، إضافة الى السلطة التنفيذية في حالة فريدة لم يشهدها التاريخ السياسي اللبناني، لم تكن هذه الجمعيات سوى ممثلة عن الدول الممولة لها، في إطار عملها على تكوين فكرة عن المجتمع اللبناني والتي تنقل الى الحكومات لتكون في المرصاد لأي قرارات حكومية قد تنسحب على حياة اللبنانيين. وبالتالي ستكون هذه الجمعيات عنصر ضغط في وجه الحكومة والمجلس النيابي في اي قرارات لا ترضي الممولين.
في المقابل، وفي ظل نقل صور المجتمع اللبناني الى دوائر صنع القرارات في الخارج، تبقى هذه الجمعيات هي المدماك الرئيسي لتحرك الدول في الساحة اللبنانية، في ظل فراغ ينبئ بإنفلاتات أمنية مستجدة نتيجة الوضع الإقتصادي المتردي، وبحسب مصدرٍ سياسي ” فإننا في حال استمرينا على ما نحنُ عليه في الداخل، فإن البلد قادمٌ على انفلاتٍ أمني هدفه زعزعة الوضع لا بل وزيادة الضغط ، وهي أي الجمعيات، رغم ما تقدمه من مساعدات للبنانيين، الا أنها في المقابل حصلت على معلومات ووثائق تخص شريحة المستفدين، والتي يمكن أن تسستخدم في أطر خارجية عن القوانين”.
كما ان بعض وسائل الاعلام اللبنانية والعربية اصبح لها دورا مشبوها في التدخل في بعض الملفات الوطنية الحساسة، وهي تعمل جاهدة من اجل التفرقة واقامة حلبات صراع تحريضية، وهذه الوسائل الاعلامية هي اخطر بكثير من تلك المنظمات والجمعيات الغير حكومية التي تتعاطى مع الملفات الداخلية، لا سيما في مواضيع اساسية تتعلق بترسيم الحدود البحرية وغيرها من الامور، اضافة الى بعض الملفات الساخنة كالودائع والأموال المنهوبة، وهي دائماً تعزز عملية الانقسام بين شرائح المجتمع الواحد، في ظل غياب اي قوى تستطيع حل هذه النزاعات، وهي المؤسسات الرقابية والقضائية التي باتت اصلاً فارغة من أي عوامل تحكيمية تستطيع اخذ الحكم المناسب في الوقت و المكان المناسبين.
الى ذلك، شكلت الفراغات المتتالية بيئة خصبة لتكاثر الجمعيات التي وصل عددها الى أكثر من ١٠ آلاف جمعية في السنوات الثلاث الأخيرة، و التي لم تكن سوى غطاءً لجذب التمويل دون تقديم مساعدات جدية لأي كان، وبالتالي تشكل غطاءً قانوني على حركتها المشبوهة. وبحسب المعلومات، فإن هذه الجمعيات التي تكاثرت بسرعة باتت تشكل حالة من الإستغراب بسبب وجودها في كل الاماكن، اضافة الى تدخلها في معظم الأمور الداخلية، ولعل هذه الجمعيات المدعومة من قبل الادارة الأميركية باتت تؤثر في بعض شرائح المجتمع المدني اللبناني بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعاني منها اللبنانيون.