يبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت مساراً دبلوماسياً موازياً بينها وبين الدولة الروسية، فيما يتعلق بصراع المعسكر الغربي في أوكرانيا، وهذا ما كشفه أحد المقالات الواردة مؤخراً في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن إجراء مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان محادثات غير علنية خلال الأشهر الأخيرة، مع كبار المسؤولين في الكرملين مع نظيره “نيكولاي باتروشيف” ومع مساعد الرئيس الروسي “يوري أوشاكوف”، بهدف الحدّ من مخاطر النزاع العسكري في أوكرانيا أو تصعيده إلى صراع نووي.
وفي حال قد صحت هذه الأنباء، فإن ذلك يدّل عن تراجع واشنطن المبدئي (بمثابة تراجع خطوة الى الوراء)، عن قطع كل خطوط التواصل الدبلوماسية والسياسية مع موسكو، بعكس ما كانت تبديه الأخيرة من استعداد للتفاوض منذ بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا. بحيث شاركت في مفاوضات مباشرة مع الجانب الأوكراني في بلاروسيا، وقد كان من الممكن أن تصل إلى نتائج تختصر من أمد الأزمة، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدخلا لدر الرئيس “فولوديمير زيلنسكي” وقيادته لنسف هذه النتائج.
وما يعزز هذا الأمر، الأنباء المتداولة في العديد من الوسائل الإعلامية الأمريكية، عن تباين في وجهات النظر، بين القيادات العسكرية والمدنية في إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، حول التفاوض بين أوكرانيا وروسيا لإنهاء النزاع. فقد تحدثت هذه الأنباء عن أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، قد طالب الأوكرانيين بأن يحاولوا تعزيز مكاسبهم على طاولة المفاوضات، كما غيره من القادة العسكريين الذين يدعون إلى الضغط على الحكومة الأوكرانية للسعي إلى إنهاء دبلوماسي لحربها مع روسيا، بينما يعلن المستشارون المدنيون بأن الوقت مبكر جداً لذلك. كما أضافوا بأن الجنرال ميلي قد قال بأن الأوكرانيين حققوا قدر ما يمكن أن يتوقعوه بشكل معقول في ساحة المعركة قبل حلول فصل الشتاء، ولذلك ينبغي عليهم محاولة تعزيز مكاسبهم على طاولة المفاوضات. وهذا ما
أوضحه الجنرال ميلي في مقابلة على قناة “سي إن بي سي” مساء الخميس، عندما قال “لقد رأينا قتال الجيش الأوكراني للجيش الروسي يصل إلى طريق مسدود،…الآن، ما يخبئه المستقبل غير معروف بأي درجة من اليقين، لكننا نعتقد أن هناك بعض الاحتمالات لبعض الحلول الدبلوماسية”.
وجهة نظر الفريق السياسي
يرجح العديد من مسؤولي إدارة بايدن السياسي، بأن الحرب لا يمكن تسويتها إلا من خلال التفاوض، لكنهم يرون بأن ظروف ذلك لم تنضج بعد، خاصة بعد مع ما تعتبره تحقيق القوات الأوكرانية لإنجازات ميدانية كبيرة.
وهذا ما عبّر عنه سفير الولايات المتحدة السابق لدى أوكرانيا ويليام تيلور في كلمة له أمام معهد الولايات المتحدة للسلام عندما قال بأنه “من المنطقي أن ننتظر الآن – القوات الأوكرانية لديها الآن زخم، وهي تتقدم أكثر في خيرسون، وهذا التقدم سوف يمهد الطريق والظروف لأي نقاش”.
المحادثات الروسية الأمريكية طابعها استراتيجي نووي لا أكثر
وبعيداً عن التحليل، فإنه من المؤكد أن الطرفين يستأنفان المحادثات النووية بينهما، بهدف إحياء معاهدة ستارت الجديدة، واستئناف عمليات التفتيش المتبادلة بينهما، والتي تم تمديدها 5 سنوات من قبل حكومتي البلدين عام 2021.
لكن هذا لن يمنع التفاوض الجانبي على مواضيع أخرى ربما – وهنا يمكننا الإشارة الى زيارة “باتروشيف” الأخيرة الى إيران – والكل يتذكر ما حصل خلال العام 2015، حينما ساهم تفاوض الدولتين بشأن ما يزعم بأنه أسلحة كيميائية تمتلكها الدولة السورية، بمنع اندلاع صدام عسكري مباشر بين سوريا وحلفائها والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي لم يكن أحد يعلم مقدار حدوده. كما ساهم في تبريد الأجواء في ملفات أخرى، فساهم بولادة الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران.