كتبت النهار
وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري، من بين المسؤولين الذين ما زالوا في سدة المسؤولية، من يتمتع بالقدرة على التحرّك على مستوى استحقاق رئاسة الجمهورية. فهو من حيث الشكل، وبصفته الرسمية يوجه الدعوات لانعقاد البرلمان لانتخاب رئيس جديد، على أن يكون الخميس المقبل موعداً للجلسة السادسة. أما من حيث المضمون فهو على تقاطع مع الخطوط الداخلية والإقليمية والدولية التي تعمل على فك عقدة الاستحقاق الرئاسي. فما الجديد في جعبة رئيس البرلمان؟
في مقدمة نشرتها الإخبارية مساء الاحد الماضي، قالت قناة “أن بي أن” التلفزيونية التابعة للرئيس بري: “لن يبقى الرئيس نبيه بري مكتوف اليدين وهو يعطي فسحة زمنية سقفها الأقصى آخر السنة، فإن حصل التوافق يكون خيراً وإلا فسيعود إلى التقاط زمام المبادرة من جديد”.
إذن، فقد أطلق الرئيس بري مهلة للتوافق تستمر شهراً ونصف الشهر. فما المعطيات التي استند اليها في تحديد هذه المهلة؟
من بين المعطيات التي جرى الإعلان عنها في عطلة نهاية الأسبوع الأخير، النبأ الذي أذاعه قصر الإليزيه حول الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وبحسب ما قاله مسوؤل فرنسي رفيع لـ”النهار” أمس، فإن الاتصال كان “مثمراً إن في موضوع المساعدات الانسانية للبنان أو في ملف انتخابات الرئاسة مؤكداً أن ولي العهد السعودي يتابع الاستحقاق الرئاسي في لبنان على عكس ما يجري تناقله بأنه لا يبالي للأمر”. وفي هذا السياق، تحدثت معلومات عن أن السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري انتقل الى الرياض للتشاور.
على الضفة الأخرى، فتح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الباب أمام تحرّك الرئيس بري الجديد، في كلمته الأخيرة عندما قال: “الرئيس نبيه بري كانت عنده محاولة أن يجمع العالم على طاولة حوار لم ينفع ذلك، ماذا نفعل؟ البديل هو الحوار الثنائي، الحوار الثلاثي… الرئيس بري يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع”.
وبين تحرّك معلن على مستويين: الفرنسي-السعودي والحوار الداخلي الثنائي والثلاثي برعاية الرئيس بري، هناك تحرّك غير معلن، هو ما ستقوم به باريس باتجاه طهران وسيحدد الموقف الإيراني النهائي من الاستحقاق الرئاسي، ما يماثل ما حصل قبل انتخاب العماد ميشال عون عام 2016.
من الإشارات المبكرة لهذا التحرّك غير المعلن، تردد وفق معلومات أن باريس بعثت عبر قناة ديبلوماسية برسالة خاصة كي تبلغ “حزب الله” أن باريس تستأنف دورها من دون خلفية مسبقة على مستوى الاستحقاق الرئاسي، ومن بين ذلك عدم التمسك بخيار ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، كما كان شائعاً في الأسابيع الماضية والقول إن هذا الخيار يحظى باتفاق الترويكا الأميركية-الفرنسية-السعودية. والمغزى من الموقف الفرنسي كما تردد، أن فرنسا لن تدخل مسرح المفاوضات بخيار مسبق، متصل بترشيح أحد، ما يسمح لطهران بالدخول في بازار الاختيار الذي قد يؤدي للعودة الى خيار العماد جوزف عون إذا ما نضج هذا الخيار بما يجعل الطرف الإيراني موافقاً، كما حصل عام 2016.
وفي سياق متصل، كان نصرالله في إطلالته الأخيرة قد مارس المثل القائل “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”. فالحافر، قول نصرالله إن الاميركيين “يدعمون الجيش اللبناني لأنهم يعتبرونه مؤهلاً لمواجهة المقاومة والقضاء على المقاومة”. أما المسمار، فقول نصرالله: “طبعاً الجيش اللبناني قيادةً وضباطاً ورتباء وجنودًا يرفضون هذه الفكرة وهذا الموقف بالمطلق حالياً وسابقاً”.
وفي تفسير أوساط إعلامية قريبة من “حزب الله” ان الأمين العام للحزب، أراد إبلاغ من يدعمون ترشيح قائد الجيش داخلياً وخارجياً، أن نصرالله لم ينحِّ جانبا خيار العماد جوزف عون، لكنه وضعه تحت المراقبة لجهة موقعه، مما اعتبره زعيم الحزب دفعاً أميركياً ليكون الجيش في مواجهة الحزب والتأكيد أن الجيش سيكون محايداً حيال الحزب مهما تبدّلت الظروف.
كتب في الآونة الأخيرة أن الحوار بين الغرب عموماً وفرنسا خصوصاً وبين طهران دخل في مرحلة حرجة بسبب الاضطراب داخل إيران واتهام الجمهورية الإسلامية للغرب بإذكائه، وكذلك بسبب تطورات الحرب في أوكرانيا وانكشاف ضلوع إيران في هذه الحرب الى جانب روسيا. لكن هذا الامر بوجهيه الداخلي والخارجي لا يلغي أن سياسة “تعديل سلوك النظام” أي النظام الإيراني التي جرى الاعتماد عليها سابقاً لإقامة حوار بين الغرب وإيران، ما زالت مستمرة وربما طويلاً. وهذا يعني أنه مهما كانت الأحوال، فالغرب سيبقي نوافذ الحوار بينه وبين طهران مفتوحة، ما يشمل الحوار حول لبنان.
ثمة أمر تلفت الانتباه إليه الأوساط المشار إليها آنفا، هو أن وضع الإدارة الديموقراطية في الولايات المتحدة، الذي تعزز في نتائج الانتخابات النصفية، سيمنح سياسة الحوار مع إيران مزيداً من الدفع انطلاقاً من اعتماد هذه السياسة سابقاً أيام إدارة الرئيس باراك أوباما ما أنتج الاتفاق النووي عام 2015. وهذه السياسة ما زالت معتمدة في الإدارة الحالية بلا زيادة أو نقصان.
بالعودة الى المهلة التي حددها الرئيس بري حتى رأس السنة الحالية كي يعطى للتوافق الداخلي فرصة الاتفاق على مرشح رئاسي يحظى بالإجماع، فهناك معطيات تشير الى أن رئيس البرلمان ينسق الخطى مع التحرك الفرنسي المتفق عليه مع الولايات المتحدة والسعودية كي ينتهي الامر بانتخاب رئيس للجمهورية سيكون ممهوراً بتوافق داخلي ورعاية خارجية.