كتبت النهار
اتفق أن تزامنت الهجمة الأخيرة للسيد حسن نصرالله على انتفاضة 17 تشرين لأسبابه المعروفة مع تصاعد السخط والخذلان حيال ما يسمى تجمّع النواب التغييريين لفرط ما أسرف معظمهم في سلوكيات سطحية متشاوفة وإخفاقات بوتيرة قياسية، الامر الذي يفتح مجددا ملفاً ملَّ اللبنانيون تداوله ولكن يصعب تجاهل هذا البُعد الطارئ حياله. تملي هذه المقاربة لهذا الملف خطورة كبيرة في مزج الزيت بالمياه كما يقال، لجهة ان تتقاطع هجمة “حزب الله” على الانتفاضة، مع انها صارت مبدئيا خلف مجريات الظرف الراهن، مع تصعيد الهجمات الانتقادية للانتفاضة نفسها بذريعة السخط من “نوابها”.
لقد ذهب السيد نصرالله بعيدا جدا في إهانة شباب ومواطنين لبنانيين من خلال تصويرهم مجرد مرتزقة لدى الـ”ان جي أوز” (S (NGO, مترجماً مرة جديدة واقعاً حقيقياً قاتماً لا يمكن الحزب الاعتراف به، وهو ان معظم الدوافع والأسباب والخلفيات والتراكمات التي أدت الى الانهيار الذي فجّر الانتفاضة يُسأل عنها “حزب الله” في هيمنته المطلقة على السلطة وتبعاتها التي لا تحتاج الى إثبات في انزلاق لبنان الى هذا الدرك الدراماتيكي. واذا كان التعميم الخاطئ الذي ارتكبته الانتفاضة في تأثيم كل القوى، سيادية كانت أم غير سيادية، ولاحقت به الطبقة السياسية بلا أي تمييز شكّل جانباً من الجوانب الأساسية التي تحتاج الى إعادة مراجعة دقيقة وموضوعية، فان أسوأ ما يكشفه استسهال تخوين الانتفاضة هو ان ينسى المخوِّنون ان معظم شوارعهم وناسهم ومواطنيهم كانوا هم أهل هذه الانتفاضة حتى لو فشلت في نزعهم من زعاماتهم وأحزابهم.
وما يعني اللبنانيين في جوهر هذه المقاربة يتعين ان يتركز على نقطة فصل حاسمة بين الانفعالات التي تسبّبها لهم حملات أو هجمات تمليها حسابات سياسية متقلبة ومتوترة للتغطية على اهداف دفينة معروفة وغير معروفة كمثل تلك التي تقف وراء الهجمة المباغتة لـ”حزب الله” على الانتفاضة، والمزج بين الانتقادات لنواب يوصفون بأنهم تغييريون وأخذ الانتفاضة بناسها وشبابها ومواطنيها بجريرة اخطائهم وسلوكياتهم. ينبغي والحال هذه، التذكير جيدا بأن نبض تلك الانتفاضة لم يشكله إلا شباب الساحات الشهيرة التي حملت سحابة سنتين وأكثر رمزيات عابرة للطوائف والفئات والمناطق والانتماءات واطلقت نبضاً لا يزال يقيم عميقاً في نفوس معظم اللبنانيين في الداخل وفي سائر انحاء الانتشار في العالم. ان التنكر لهذا النبض هو التزوير والخنوع بعينه، ويتعين على اللبنانيين ان يفصلوا محاسبة ضمنية وإدانة معنوية محقّة لنواب وأحزاب وقادة وزعماء عن نبض الانتفاض والثورة لديهم لئلا يُهزموا مئات المرات أمام جلاديهم.
ونحن على مشارف إحياء الذكرى السابعة عشرة لاستشهاد جبران تويني بعد أسابيع لا نملك إلا التذكير بإيمانه المطلق بقدرة الانتفاض لدى الشباب اللبناني في كل ظرف وتحت وطأة أيّ حالات مستحيلة وصعبة. لقد ترجم ذلك بـ”نهار الشباب” و”خلّي الصوت يودّي” في بدايات التسعينات من القرن الماضي وكان لبنان يرزح تحت وطأة الوصاية الاحتلالية وبالكاد يقف على قدميه جراء حرب طاحنة ساحقة استقطبت اليه اليأس الأشد من الدمار. لا يمكن التسليم والاستسلام لمنطق المزج بين التخوين والمحاسبة سواء بسواء. أقله افصلوا بين ناس الانتفاضة وما يسمى نوابها، وأما هواة التخوين فأمرهم معروف، ولو نجحت الانتفاضة لكان في لبنان اليوم طلائع دولة مختلفة تماما. ثمة من يُتبع مع الانتفاضة القول “الضرب بالميت حرام”… ولكن احذروا أيضاً “النفخ في الجمر”…