رلى ابراهيم – الأخبار
منذ توقف المصارف ومصرف لبنان عن الدفع قبل أكثر من ثلاث سنوات، لم يحصل أي تقدّم نحو إقرار قانون «كابيتال كونترول». جلسات المجلس النيابي السابقة لم تخرج من إطار التمييع. دائماً كان هناك من يصرّ على رفض القانون، وآخرون يرونه ضرورة، وجناح تطوّع ليكون صوت المصارف… هكذا أيضاً كانت جلسة اللجان المشتركة التي عقدت أمس، إذ استغرق التصويت على مادة ونصف نحو أربع ساعات. بهذا المعدّل يسلك المشروع أطول الطرق
مضت ثلاث سنوات على انكشاف عملية السطو الممنهجة التي ارتكبها مصرف لبنان والمصارف بالشراكة مع قوى السلطة وباسمها. سمّيت هذه العملية «الانهيار» أو «الأزمة النقدية والمصرفية». وأينما حلّت أزمة كهذه، أقرّ قانون تقييد السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول)، إلا في لبنان حيث يدخل مشروع القانون إلى مجلس النواب بذريعة حماية أموال المودعين، ولا يقرّ بالذريعة نفسها. ففي الجلسات السابقة للجان المشتركة، طالب النواب باسم المودعين، بردّ القانون، أو ربطه بخطّة التعافي، أو حتى بمجموعة قوانين أخرى… لكن حتى الآن لم تتفق هذه القوى على إقرار القانون. تكرّر الأمر نفسه في الجلسة التي عقدت أمس. فقد استشرس نواب حزب القوات وميشال معوض لتطيير القانون رافضين نقاش بنوده. وفي المقابل، أصر رئيس اللجان النائب الياس بو صعب على المضي به، فيما تلا النائب حسن فضل الله المادة 67 من النظام الداخلي للمجلس والتي تُلزم المجلس، بعد المناقشة العامة، البحث في المواد والتصويت عليها مادة مادة (إلا إذا اقترح أحدهم ردّ المشروع فيجري التصويت على اقتراح الردّ وهو ما لم يحصل).
الكابيتال كونترول بيد 4 مجموعات
المشهد يبدأ خارج مجلس النواب. بين الحشود، ثمة مجموعة تقودها وتموّلها المصارف قوامها نواب حزبيون ومستقلون تتقاطع طرقهم حول حماية حاكم مصرف لبنان والمصارف. وهؤلاء ممولون من مصرفي معروف بدعم وتمويل لوائح انتخابية. وفي المقابل، مجموعة أخرى تتألف من جمعيات تعمل لأجل المودعين ويدعمها نواب غير مرتبطين بالمصارف وبالامتيازات التي كان يوزّعها حاكم المصرف. يتخوّف هؤلاء من الألغام المتعمدة التي جرى دسّها في مشروع القانون، ومن مادتين تحديداً: تصنيف الأموال بين قديمة وجديدة، وتجميد الدعاوى بحق المصارف.
لذا، يبدون قلقين من ضعف قدرتهم على فرض تعديلات في مواجهة أكثرية مؤيدة للمصارف، مفضلين إبقاء الوضع كما هو عليه. أما المجموعة الثالثة في داخل مجلس النواب فقط، وهي مؤلفة من نواب حزب الله وبعض التغييريين (الذين لم يخرجوا من التكتل) وبعض نواب التيار الوطني الحر غير المرتبطين بالمصارف، فيفضّلون إقرار الكابيتال كونترول، على الفوضى القائمة. ومع أن هؤلاء يرون أن القانون فقد الكثير من قيمته، لكنه يبقى حاجة لضبط التحاويل إلى الخارج، وتحديد نسبة السحوبات، فضلاً عن أنهم يعتقدون أن سياسة صندوق النقد الدولي السيئة تبقى أفضل من تعاميم مصرف لبنان. أيضاً هناك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري اللذان يستعجلان إقرار القانون رغم أن بري أول من رفضه، لأنهما يريدان تسجيل «انتصار» ما بعد نهاية عهد الرئيس ميشال عون.
سلامة يتغيّب
هذه المجموعات كلها على اختلاف أجنداتها وأهدافها ومصالحها، اجتمعت أمس، لمناقشة قانون ضبط التحويلات المالية والسحوبات، مجدداً. استغرق النقاش في مادة واحدة لا تتعدى ثلاثة عبارات، نحو أربع ساعات. فالمادة الأولى التي كانت تتحدث عن هدف القانون، تم تعديلها وأزيلت منها كلمة «هدف»، مع إضافة عبارة تؤكد حماية أموال المودعين المنصوص عليها دستورياً وقانونياً، وعلى أن الضوابط المؤقتة والاستثنائية التي لها علاقة بالتحويلات والسحوبات لا تعني المساس بأصول الودائع. أما المادة الثانية، المتعلّقة بالتعريفات، فلم يتم الانتهاء منها، بل إن ما أقرّ منها هو 6 فقرات، أبرزها تعريف المصارف التي عدّلت بناء على اقتراح النائب جميل السيد لتشمل مصرف لبنان والمصارف العامة التي تملك الدولة أسهماً فيها، الحسابات المصرفية لتشمل أيضاً الحسابات الخاصة لحاكم مصرف لبنان، ولموظفي المصرف المركزي والمصارف العامة.
سلامة تخوّف من توقيفه إذا حضر الجلسة وهو غير مستعدّ «لسماع حكي من النواب»
سأل السيّد عن الدولارات الموجودة في احتياطي مصرف لبنان، فأجابه وزير المال بأن المبلغ هو 10 مليارات و300 مليون دولار. وتوجه أيضاً بالسؤال إلى نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، حول المواد الموجودة في القانون وقدرته على تفسيرها أو توضيحها، فأتاه الردّ من الشامي بالنفي كونه معنيّاً فقط بالسياسات الاقتصادية لا التقنية، والمسؤول عن إعداد هذا القانون هو الفريق التقني في مصرف لبنان والحاكم نفسه.
بدا لافتاً أن رئيس الحكومة الذي يدفع في اتجاه إقرار القانون لم يتكلّف عناء تقديم شرح للنواب حول مواد القانون وآلية عمله. والأكثر استغراباً هو أن الحاكم رياض سلامة لم يحضر الجلسة، بل أبلغ المجلس أن سبب تغيّبه هو تخوّفه من توقيفه بفعل المذكرة التي أصدرتها القاضية غادة عون بحقه. ورغم الضمانات التي أعطيت له بحمايته وإرسال فريق لمرافقته وعدم تعرّض أي جهة له، أصرّ على عدم الحضور، مشيراً إلى أنه غير مستعد «لسماع حكي من النواب». ثمة رواية أخرى تشير إلى أن سلامة أبلغ بعض زواره أنه لن يحضر الجلسة لأنه على النواب أن يبلعوا ألسنتهم.
على أي حال، اتخذ المجلس النيابي قراراً بمتابعة الجلسات من دون حضور سلامة. وقبل رفع الجلسة، عيّن بو صعب موعداً لاستكمال إقرار المواد، الاثنين المقبل. وتشي وقائع الجلسة الأولى أن مناقشة وتعديل وإقرار المواد الـ14 سيأخذ وقتاً طويلاً، لا سيما في ما يخصّ الأموال القديمة والجديدة والدعاوى بحقّ المصارف.
بو صعب يردّ على باسيل
كان لافتاً رد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب على تعليق أدلى به رئيس التكتل النائب جبران باسيل. إذ وصف باسيل ما يجري بـ«المهزلة» مشيراً إلى أن «سلامة والمصارف والأكثرية الممثلة لهم في المجلس لا يريدون إقرار القانون». وفي ختام الجلسة صرّح بو صعب بأن «المجلس النيابي واللجان المشتركة يقومان بدورهما وأنا لا أوافق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بتوصيفه أن العمل في الجلسة كان مهزلة»، معتبراً أن «كل شخص لديه وجهة نظر مختلفة»، واصفاً النقاش داخل الجلسة بـ«الهادئ والموضوعي».