ملتقى حوار وعطاء بلا حدود يفتح ملف التعديلات الأخيرة على قانون السرية المصرفية: تعديلات مُلتبسة، غامضة غير قابلة للتطبيق وغير *إصلاحية بالمعنى الدقيق للكلمة* !
(الجزء الثاني)
*حمود* : في إطار متابعة آخر التطورات السياسية، الإقتصادية، المالية، النقدية، القضائية، الإجتماعية، المعيشية والصحية التي تعصف بلبنان منذ إنطلاق حراك ١٧ تشرين اول ٢٠١٩ ، والتي ادّت الى كشف المستور وإنكشاف حالة الإنهيار المريع والإفلاس شبه الكامل او حتى الكامل الذي شهده القطاع المصرفي في لبنان، وما تبعه من مُمارسات تعسفية اجرامية وإذلال بحقّ المودعين في المصارف اللبنانية، ومع إستمرار حالة الإنكار والمكابرة والمراوحة والمراوغة التي اعتمدتها السلطتان التنفيذية والتشريعية في لبنان في محاولتهما للتهرّب من طرح الحلول الإصلاحية الجذرية للخروج من المأزق، وفي ظلّ سعيهما الحثيث للمناورة تلو المناورة بمعرض الاستجابة المزعومة للمطالب الإصلاحية التي اشترطها صندوق النقد الدولي للمضي في اي اتفاق مأمول معه.
وفي إطار مواكبتنا الدائمة في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وفي جمعية ودائعنا حقّنا لقضية حقوق المودعين التي حملنا لواء الدفاع عنها منذ بداية الأزمة، بمشاركة اهم الخبراء القانونيين والإقتصاديين المخضرمين، ومُتابعةً لآخر القرارات والخُطط الحكومية التي تُحاول حكومة تصريف الأعمال إقراراها لقضم وتصفية حقوق المودعين بطُرق ملتوية وتحت مُسميّات مختلفة، كان آخرها طرح “خطة التعافي الإقتصادي” و”مشروع التوازن والإنتظام المالي” اللذين اقرّتهما حكومة الرئيس ميقاتي من جهة اولى، ومتابعةً ايضاً ومن جهة ثانية لآخر التطوّرات التشريعية التي من المُؤكد انها لها انعكاساتها السلبية على آليات وسُبل مُكافحة الفساد وإسترجاع الأموال المنهوبة والمهدورة والمُهرّبة ، سيما لجهة تداعياتها الخطيرة على حقوق جميع المُودعين داخل لبنان وخارجه، فقد قامت اللجنة الحقوقية القانونية-الأقتصادية-المالية في الملتقى بإجراء هذه الجولة من إستطلاع أراء اهم الخبراء القانونيين والإقتصاديين والمعنيين حول التعديل الأخير لقانون السرية المصرفية، الذي أقرّه مجلس النواب في جلسته التي عُقدت بتاريخ 18 تشرين الأول 2022 والذي قضى بتعديل أحكام القانون ٣ أيلول ١٩٥٦ حول السرية المصرفية وبعض النصوص القانونية الأخرى ذات الصلة بصورة مُلتبسة، غامضة معقدّة ومُثيرة جداً للجدل وصلت إلى درجة المطالبة بالطعن بهذا التعديل امام المجلس الدستوري من طرف العديد من الخبراء القانونيين المُخضرمين والمشهود لهم، خاصةً و أن معظم هذه التعديلات التي أُجريت هي غير قابلة فعلياً للتطبيق وغير اصلاحية بالمعنى الدقيق للكلمة، مما يحدّ كثيراً من إمكانيات الإستفادة منها كما هو مُرتجى ومطلوب للإصلاح والإنقاذ وذلك على المستويين الوطني والدولي، إن لجهة الشك حول نجاعة مُكافحتها لكل ملفات الفساد التي كانت من اهم اسباب انهيار الوطن، أو لجهة استحالة تطبيقها بالمدى المنظور لأن معظمها بحاجة لإقرار آليات ومراسيم وتشريعات اخرى من الواضح انها لن تحصل في القريب العاجل في لبنان بسبب ما نعيشه من ازمات خانقة ومعقّدة وعلى كل المستويات!
وبعد ان وقفنا في الجزء السابق من هذا الحوار على موقف دولة الرئيس ووزير الصحة السابق، النائب عن كتلة القوات اللبنانية الأستاذ غسان حاصباني، نستكمل في هذا الجزء بحثناً العميق في السلبيات الكثيرة والإيجابيات القليلة جداً لهذه التعديلات، ونقف اليوم عند رأي رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، عضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) وعضو لجنة ” FACTI” في الأمم المتحدة، المحامي الأستاذ كريم ضاهر، الذي يُعتبر احد اهم خبراء الشؤون المالية والضرائبية في لبنان، والذي له باع طويل في لبنان والعالم في مجالات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر تعزيز الشفافية والتنمية المُستدامة، محاولات السعي لإسترداد الأموال المنهوبة والمهرّبة والمحوّلة، إما بسبب الفساد، أو من خلال عمليات تتعلّق بالتهرب الضريبي أو الإحتيال.
وفيما يلي المداخلة القيّمة، الكاملة للاستاذ كريم ضاهر التي أجاب فيها عن الأسئلة التالية:
– *هل كان قانون السرية المصرفية سابقا دون مساوئ ومخاطر كبيرة* ؟ لا احد ينكر أهمية قانون السريه المصرفية الذي اقر في خمسينيات القرن الماضي وما اعطاه للبنان على الصعيد الاقتصادي من نمو وفتح مجالات للاستثمارات الاجنبيه ومن ازدهار إلا انه تم التغاضي عن بعض السيئات التي ظهرت بعيد الحرب اللبنانية وما بعد تلك الحرب في بداية تسعينات القرن الماضي وصولا إلى أيامنا هذه ، وكانت تلك الأسباب المتأتية من تطبيق محكم للسرية المصرفية قد سهل المخالفات والتجاوزات والتفلت من المساءلة والعقاب وأضعف مقومات الدولة وروح المسؤولية الوطنية والمواطنية وجميعها من الاسباب المهمة والأساسية التي ادت الى الحرب وإنحلال الدولة. وقد تظهر ذلك على صعيد المواطنيه الضريبيه خاصة وعدم اعطاء اهميه للروح الوطنية المسؤولة والإلتزام المؤسساتي في لبنان اذ انه مع ازدهار السرية المصرفية تفشت ظاهرة التهرب الضريبي والاخفاء والتخفي وأضحى الإفساد والفساد والتهرب والمخالفة في صلب الثقافة والوجدان الوطنيين ولم يعد هناك من اهميه لدور الدولة ومؤسساتها مما سمح للناس الذين كانوا قابعين وممسكين على ادارة الدوله بإمكانية القيام بجميع التجاوزات واخفاء جميع ما نتج عن ارتكاباتهم لجهة الفساد او لجهة التهرب الضريبي وسواها من هذه الامور بالتواطؤ مع الاشخاص الذين اشتركوا معهم وذلك، دون حسيب أو رقيب أو محاسبة. وهذا ما حفز تفشي الظاهرة بحيث اصبح ذلك الواقع بمثابة أعراف وثقافة عند كافه شرائح الشعب اللبناني مما جعل الناس تتفاجأ بالموجبات على الصعيد الضريبي وخاصة ضريبة الدخل وغيرها من الضرائب المباشرة التي كان يتغاضى عنها المكلف بالمطلق وحفزت التفلت من القيام بالموجبات وشتى الالتزامات التي هي ذات صلة بهذا الموضوع .
– *كيف بدأت رحلة التحديث* ؟
اول ثقب في جدار السريه المصرفيه يعود الى العقد الاول في الألفيه الثالثة بدفع من المنحى الدولي لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب كما ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي في مرحلة لاحقة. وقد تتوج هذا المسعى بالتوقيع على معاهدة الامم المتحدة لمكافحه الفساد التي اُقرت سنه ٢٠٠٣. ولبنان انضم اليها سنة ٢٠٠٨ بموجب القانون رقم 33/2008. وقد لحظت المعاهدة المذكورة موضوع السريه المصرفيه كعائق يقتضي تجاوزه للحصول على المعلومات اللازمه ولمكافحة الفساد وطالبت بإلتزام الدول الأعضاء بالتعاون البناء وقد نصت المادة 46(8) على هذاالموجب بما حرفيته: ” لا يجوز للدول الأطراف أن ترفض تقديم المساعدة القانونية المتبادلة بمقتضى هذه المادة بحجة السرية المصرفية”. وبالتالي، لا يتعين أن تُرفع هذه السرية بوجه اي طلب أصولي يتقدم به من الخارج او من الداخل بهذا الخصوص. ما جعلنا نصر على إقرار هذا القانون الذي يرفع السريه المصرفيه بصورة واسعه بالتأكيد، ولكن أيضا بشكل جزئي لأن المطلب الاساسي كان الانتقال من السرية المصرفيه الى السرية المهنيه بمعنى ان المعلومة المصرفية والمالية تبقى خاصة ومحمية لصاحبها وسرية لعامة الناس، ولكن هذه السرية لا تطبق على المصرف المخصوص ولا على السلطات التنظيمية (مصرف لبنان وتفرعاته) والاجرائيه والقضائيه التي تكون تستقصي اذا كان فعلا الشخص ملتزما بالقوانين المرعية الإجراء ويقوم بواجباته على أكمل وجه. وهذا هو الهدف الذي نصبو اليه في لبنان حاليا لأننا نريد الانتقال الى مرحلة جديدة وهي مرحلة المحاسبه، والشفافية والنزاهة ومرحلة عدم الافلات من العقاب. وبالتاليوبالتالي هذا القانون اليوم لديه اهميه قصوى من حيث إعطاء الدفع لمسار الإستقصاء وتحديد المسؤوليات واجراء المُحاسبة وعدم تمكين اي كان من اخفاء الامور ومن التفلت من العقاب أو أقله تحمل قسط من المسؤولية والخسائر التي تسبب بها بشكل مباشر أو غير مباشر أو إستفاد من الظروف والأفعال التي تسببت بها و/أو أدّت إليها. وايضاً هذا القانون يفتح نهجاً جديداً مع الاداره الضريبيه التي من المُفترض مع إعطائها الإمكانية والحق بالتحقق مباشرة من نظامية وصحّة التصاريح والقيود اثناء عمليات التدقيق الميدانية، التثبت بالمقابل من إلتزامها بالقوانين والأنظمة المرعية ولا سيما منها تلك التي تحدد آلية نظامية وتسلسلية لإتخاذ القرارات والحصول على الأذونات دون تجاوزات أو إبتزاز أو تطاول وضمن ضوابط واضحة وعقوبات رادعة منصوص عليها في قانون الإجراءات الضريبيه. وعليه، فتح المجال لها لمراقبه الالتزام الضريبي بصورة فعالة وناجعة والحدّ من ظاهره التفلت الضريبي والغش الضريبي، كما وتُوسّيع قاعدة المُكلفين لكي تستطيع الدولة تحصيل هذه الضرائب التي هي احوج ما تكون اليها في الظروف الراهنة وفي كل حين لكي تقوم بإلتزاماتها تجاه الشعب والناس من تأمين شبكة امان اجتماعيه تشمل بما تشمله التقديمات الطبية والإجتماعية والتعليم وضمان البطالة والتقاعد كما والخدمات البديهيه الأخرى، ما يُساهم في اعادة الثقة والعدالة والطمأنينة وإعادة إحياء الطبقة الوسطى واطلاق عجله الاقتصاد والنمو والازدهار في لبنان. مع الإشارة والتأكيد على أن ما تقدم من شأنه أيضاً وبالموازاة مساعدة الدولة على الوفاء بإلتزاماتها سواء تجاه الدائنين الخارجيين او الداخليين والمُودعين وسواهم عن طريق التزامات مصرف لبنان.
– ما هي التعديلات التي طرأت على هذا القانون؟* اول محاولة لاقرار القانون التعديلي لقانون السرية المصرفيه بدأت في بدايه ٢٠٢٠. وكانت من ضمن ما سُمّي وقتها قوانين مُكافحة الفساد مع قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع وقانون مكافحه الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقانون استعادة الاموال المتاتية من جرائم الفساد كما وهذا القانون المعدّل للسرية المصرفية. واللافت أن هذا القانون المذكور (رفع السرية المصرفية)، عندما طُرح في البداية، طِرح معه مبدأ رفع السرية المصرفيه بالمطلق، ورُفِض هذا القانون من قبل النواب أعضاء اللجان النيابية كما وممثلي مصرف لبنان وجمعية المصارف، وتُقدّم بعدها أربعة اقتراحات قوانين من قبل كتل نيابيه ونواب في مجلس النواب تمّ ضمها في مشروع اقتراح قانون واحد موحدّ عملت عليه لجنة فنية مساعدة، وتم تقديمه بعد البحث والتداول للهيئه العامه، وأقرّ. ولكن تمّ بتره في جلسة الهيئه العامه اذ اُزيلت امكانيه الولوج ورفع السريه المصرفيه من قبل القضاء بالمُطلق، مما حدى برئيس الجمهورية ألى اعاده القانون إلى مجلس النواب لقراءه ثانية عملاً بصلاحياته الدستورية فاتخذ طريقه إلى ادراج المجلس ونام في سبات من سنه ٢٠٢٠ الى سنة ٢٠٢٢. واخيراً تمّ دمجه مع القانون التعديلي الجديد بعد إعادة هذا الأخير إلى المجلس من قبل رئيس الجمهورية بعد إقراره في تموز الماضي وتبعاً لنفس الآلية وقد ظهرت بنتيجته هذه الصيغة الثالثة للقانون الذي اُقرّ في مجلس النواب.
*-ما هي التحفظات على هذه النسخه الأخير وماذا كانت مطالب فخامه الرئيس وصندوق النقد الدولي؟*
الذي كان مطلوبا من قبل كل من رئيس الجمهوريه بكتابه الى مجلس النواب وصندوق النقد الدولي في ملاحظاته أن يكون القانون فاعلا في مكافحة الفساد لأن هذا القانون كان من الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي للوصول الى اتفاق نهائي مع الدولة اللبنانيه بعد الاتفاق على صعيد الموظفين، لأنه استشعر بعدما درس وضع لبنان والمؤسسات فيه بتمعن وأجرى سلسلة لقاءات، انه بلد يسهل فيه التهرب من تطبيق اية قوانين وبالتالي، فإن كل الإصلاحات التي سيطلبها ستكون بلا فائدة ودون ادنى مقومات إن لم يصار إلى مكافحة الفساد بصورة فعالة وجدية ومن ضمن ذلك، رفع السرية المصرفية لكشف الحقائق وتحديد المسؤوليات وإستعادة ما تم إكتسابه وتهريبه بصورة غير مشروعة. وهو الذي فرض هذه الاصلاحات كي يتأكد ان الأموال التي سيعطيها للدولة اللبنانيه ستعود اليه، حيث أنه دون رفع السريه المصرفية وإجراء الإصلاحات يبقى الفساد والتجاوزات ولا شيء يمكن أن يتغير؟! بل سينفق ما سوف يُنفق بهدر تام وسيبقى الفساد مستشريا، وهذا الذي لا يمكن أن يوافق عليه صندوق النقد الدولي. لا بالنسبة لمصالحه الخاصة ولا كجهة ضامنة لسائر الدائنين والمقرضين الآخرين. وقد إستشعر رئيس الجمهورية أهمية هذه المطالب وحتمية تلبية المطاليب مما حداه إلى طلب إجراء التعديلات التي من شأنها إزالة الغموض والإلتباس أو تعديل ما يحدّ من فعالية القانون.
أ- موضوع الإدعاء: من بين مطالب رئيس الجمهورية التي طلبها ايضاً صندوق النقد موضوع الإدّعاء وموضوع القضاء وتمكين النيابه العامه من الوصول مباشرة الى المعلومات التي تسمح بالإستقصاء وبتكوين الملف قبل احالته الى القضاء المختص للإدعاء أو الحكم بحيث تُعطى صلاحية التقدم من المصارف بطلب رفع السرية وتسليم المعلومات مباشرةً دون المرور باي جهة قضائية أو إدارية أخرى كهيئة التحقيق الخاصة التي كانت تتمتع لغاية تاريخه بصلاحية حصرية مطلقة عملا بالقانون رقم 32/2008 وقوانين أخرى صدرت من بعده كالقوانين رقم 44/2015 و175/2020 و189/2020. الاهميه بالغة في هذا الموضوع لان مرحلة الاستقصاء عن المعلومات لتكوين الملف هي الاساسية في اية قضية، وطالما ان كل التعديلات التي حصلت في مجلس النواب ولجنة المال والموازنه كانت دائماً تُشدّد على ادخال عبارة الدعاوى المُتعلّقة بجرائم الفساد او من قبلها دعاوى التحقيق في جرائم الفساد، وبالتالي كانت تُصرّ على كلمة الدعاوى، مما يوحي بأن الغاية هي إستثناء مرحلة الإستقصاء الاولي بالرغم من كل التفسيرات التي اعطيت من قبل عدة زملاء محامين وعدة اخصائيين آخرين فسّروا وبرروا مدى أهمية هذا الموضوع وضرورة ان تُعطى امكانيه لرفع السرية المصرفية للمرحله التي تسبق الدعاوى لتمكين القضاء المُختصّ من اجراء التحقيقات اللازمه. وهذا ما تمّ التغاضي عنه او تمّ الالتفاف عليه بإستعمال تعابير مُبهمه وملتبسة ستُظهر استحالة رفع السريه المصرفيه اقله من حيث القضاء.
ب- تمكين والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع ومصرف لبنان من الوصول الى المعلومات مباشره . وهذا كان المطلب الثاني لفخامة الرئيس كما ومطلب اصرّ عليه صندوق النقد الدولي. وهذه الكلمة “مباشرة” تتعلق بجميع الهيئات والسلطات التي لحظتها الماده السابعة المعدلة لتمكينها من الوصول الى المعلومات المصرفية الخاصة، وهو نفس المطلب من قبل صندوق النقد الدولي. وهنا ايضاً إعتُمدت نصوص مُبهمه ومُلتبسه يمكن أن تشكل عائقاً لرفع السريه المصرفيه من قبل تلك الهيئات والسلطات. هذا، ومن المهم العودة الى موضوع حصريه امكانية رفع السريه المصرفيه التي هي مُعطاة حالياً لهيئه التحقيق الخاصة بموجب القوانين النافذة ولا سيما القانون ٤٤ تاريخ 24/11/٢٠١ والقانون رقم ٣٢ تاريخ 23/10/٢٠٠٨ الآنف الذكر الذي سبق اقرار القانون ٣٣/2008 المنوه عنه في مقدمة هذه المداخلة، وهو القانون الذي جعل لبنان عضواً في معاهدة الامم المتحده لمكافحه الفساد، لأننا رأينا ان المطلب الاساسي ان يوضع عبارة صريحه تسمح لكافة السلطات والهيئات التي أتاح لها القانون الجديد صلاحية رفع السرية والوصول إلى المعلومات بالولوج المُباشر إلى تلك المعلومات دون وسيط، وليس تبعاً للطريقة التي وُضعت في المادة السابعة من القانون الجديد رقم 306/2022 التي تقول: وعليها ان تقدم جميع المعلومات الصحيحة فور تلقيها طلباً من…… بالتالي يُمكن ان يكون الطلب محصوراً وإلزامياً عن طريق الوسيط وهو هيئه التحقيق الخاصه بمصرف لبنان. فطالما لا يزال الإلتباس قائماً لجهة تطبيق القانون رقم ٣٢ الذي لم يصار إلى إلغائه أو ترجيح أحكام القانون الجديد عليه كونه قانون خاص – مع الإشارة إلى وجود لغط وإلتباس وتضارب مشابه مع نصوص قانونية أخرى كالقانونين رقم ١٧٥/2020 و١٨٩/٢٠٢٠ بالنسبه للهيئه الوطنيه لمكافحه الفساد – يبقى من الصعب التكهن بإمكانية ضمان وصول المعلومات المطلوبة إلى المراجع المذكورة للتحري والتحقيق وتطبيق الأنظمة والقوانين. مع العلم أن القانونان الآنفا الذكر سبقا إقرار قانون تعديل قانون السريه المصرفية وكانا قد اشارا للآلية التي تسمح للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد برفع السرية المصرفية مع التأكيد على عدم صلاحيتها لرفع السرية المصرفية مُباشرةً و بالتالي بإلزامية المرور حكماً عن طريق هيئه التحقيق الخاصه. وهنا في النص تمّ الارتكاز على هذين القانونين لأسباب مجهولة؛ مما يعني ان البعض قد يتذرع مستقبلاً بسبب الإبهام والإلتباس بأن على الهيئه الوطنيه لمكافحة الفساد ان تمرّ إلزاماً عبر هيئه التحقيق الخاصة لرفع السرية والحصول على المعلومات. وهكذا تمّ تعطيل المرجع الثاني المنصوص عنه في المادة 7 معدّلة من قانون سرية المصارف وهو القضاء .
أما المرجع الثالث فهو الادارة الضريبيه التي اُعطيت امكانية الاطلاع وطلب المعلومات في سياق تنفيذ اعمال ومهام التدقيق ومراقبة الإلتزام وكشف وتعقب ومعاقبة التهرب الضريبي. وقد اضيف الى القانون، بعض الاعتراضات التي حصلت نظرا لكون النطاق يقتصر على موضوع التهرب الضريبي فحسب، موضوعي الالتزام الضريبي والتدقيق الضريبي. إلا أنه ورغم ذلك، فإن دخول القانون الجديد حيذ التطبيق والإجراء بالنسبة للإدارة الضريبية معلّق وفق المادة ٢٣ المُعدّلة من قانون الإجراءات الضريبية على صدور مرسوم عن مجلس الوزراء لتحديد الالية الواجبة لطلب معلومات من المصارف ورفع السرية المصرفية. وبغياب هذا المرسوم لا امكانيه للادارة الضريبية لرفع السريه المصرفيه حالياً.
الجهه الاخيرة المخولة رفع السرية المصرفية هيهي مصرف لبنان ولجنه الرقابه على المصارف والمؤسسه الوطنيه لضمان الودائع. وهنا ايضاً رُبط الموضوع بمرسوم يجب ان يُقرّ لتحديد الالية، بما معناه انه هنا مجدداً تم تعطيل إمكانية المباشرة السريعة والتلقائية بأعمال التحري والتدقيق والكشف والإستقصاء؛ مما يحتم أن نعود لحصرية هيئه التحقيق الخاصة بما خص رفه السرية المصرفية، وكأننا لم نفعل شيئاً.
ج- المفعول الرجعي: وكان ضمن مطالب رئيس الجمهورية الرجوع بتطبيق القانون بالنسبه للموظفين العامين الذين عملوا في الشأن العام الى مرحلة تسبق المرحلة التي أوكلوا خلالها بمهامهم وهذا ما حصل فعلاً. وقد تم بالفعل بموجب المادة الثانية التي تمّ تعديلها ادخال فئات كبيرة من الموظفين العامين بكافة فئاتهم ووظائفهم ومراكزهم كما وشمول الأزواج والأولاد القاصرين لهؤلاء كما وأصحاب الحقوق والأشخاص المستعارين والشركات والكيانات التسلسلية خاصتهم. كما أنه وبناء للضغط الذي حصل من قبل المجتمع المدني سابقاً وحاضراً ومن الكثيرين من النواب أيضاً، تمّ اضافه فئات جديدة على الإستثناءات لم تكن موجودة اساساً بالقانون. وهذه الفئات تشمل المتعاقدين مع الدولة والمولجين خدمات عامة ومهام مؤسساتية وإن كانوا من غير الموظفين العامين كالمستشارين والمرشحين للإنتخابات كما وشملت أيضاً الجمعيات وهيئات المجتمع المدني ورؤساء واعضاء مجالس اداره المصارف والمدراء التنفيذيين والمدققين الماليين و ورؤساء واعضاء مجالس ادارة الوسائل الاعلامية. واضاف ضاهر في مداخلته :
من الأمور المطلوبه أيضاً التي تمّ الإلتفاف عليها هي امكانيه تبادل هذه المعلومات بين جميع الهيئات والسلطات التي اعطيت الإمكانيه لرفع السريه المصرفيه كالقضاء ولجنه الرقابه على المصارف ومؤسسه ضمان الودائع ومصرف لبنان بالاضافه الى هيئه التحقيق الخاصه والإدارة الضريبية. وقد تمّ الإلتفاف على هذا الموضوع من حيث انه تمّ اعطاء فقط اجهزه مصرف لبنان ولجنه الرقابه على المصارف ومؤسسه ضمان الودائع احقيه التبادل بين بعضها دون اعطاء الامكانيه لجميع السلطات الأخرى المخولة. بمعنى آخر ان مصرف لبنان ليس عنده امكانيه التبادل مع الاداره الضريبيه او مع القضاء المختص. كما تم التغاضي أيضاً عن مطلب إنشاء سجّل للحسابات المصرفيّة، الذي يُعدُّ أداة مفيدة لتنفيذ القانون والإشراف على القطاع المالي في لبنان. وهذا السجل يتضمن بما يتضمنه اسم صاحب الحساب وصاحب الحق الاقتصادي والمبالغ المُحتفظ بها لتسهيل عمليه الإستقصاء والتدقيق، سواءبالنسبة للمواضيع المصرفيه البحته او مواضيع الفساد ايضاً. وهذه كانت من الأمورالمطلوبه بإلحاح من قبل صندوق النقد الدولي وتمّ رفضها او الالتفاف عليها.
كما كان من بين المواضيع المطلوبه من صندوق النقد الدولي والمُشدّد عليها من قبل هيئات المجتمع المدني والجمعيات المتابعه لهذا الموضوع الغاء عقوبة السجن على افشاء السريه المصرفيه والإكتفاء بالغرامة الماليه لعدم ترهيب كاشفي الفساد وحدّهم عن لعب دورهم المهم. وهذا له سبب جداً مهم وهو سبب مُرتبط بمسيرة وحملة مكافحه الفساد، التي كما نعلم تفاعلت مع صدور القانون رقم ٨٣ سنة ٢٠١٨ الذي يحمي كاشفي الفساد لا بل يحفّز عملهم مادياً ايضاً لأن مشاركتهم اساسيه بالحملات والاجراءات التي توصلنا لكشف المستور وكشف الجرائم الماليه وسواها ومعاقبتها. وهنا في الحالة الراهنة تمّ بالعكس تماماً التشديد على موضوع عقوبة الحبس. لا بل اكثر من ذلك تمّ اضافة “على المعلومات والبيانات التي يتمّ تسريبها” للحدّ من أي امكانية لكشف اية معلومة يمكن ان تورّط الاشخاص المُرتكبين. وهذا الموضوع يثير الريبة لأنه يبيّن ان هناك غرضاً من هذا الموضوع وتشديداً على اخفاء بعض الامور.
بالخلاصه الذي يِمكن إستخلاصه من هذا القانون الذي تمّ اقراره والذي اصبح نافذاً، وهذا يعتبر تاريخ فاصل في مسيرة لبنان لأنه سيغير المشهد وسيجعلنا اليوم نذهب الى مرحلة جديدة بمجرد بدئ تطبيقه بصورة جدية وحازمة، وهي مرحلة الشفافيه ومرحلة الإلتزام ومرحلة عدم الإفلات من العقاب. ولكن هل سيكون هذا في المستقبل القريب.؟؟؟ انا اشك، لأنه طالما ان المنظومة ذاتها موجودة وقابعة على السلطة والادارة والحكم فإنها لن تسمح بمحاسبتها وستبقى مُتحكّمة بالعباد وقد رأينا الألاعيب التي حصلت في مجلس النواب مؤخراً وغداً سنرى الالاعيب نفسها في السلطه الاجرائيه والقضائيه لأنهم جميعاً مُرتبطين ببعضهم وشركاء. لا محال ستشرق الشمس يوماً ما وسيصبح لدينا منظومه قضائيه وقوانين جاهزه للإنقضاض عليهم مباشره عندما يسمح الظرف بذلك. لأننا اذا بحثنا في مجموعة القوانين الايجابية والنافعة التي اصبحت لدينا والتي تسمح بمكافحه الفساد، ونذكر منها على سبيل المثال قانون مكافحه الفساد، قانون الاثراء غير المشروع، قانون حمايه كاشفي الفساد، قانون حق الوصول إلى المعلومات، قانون استرداد الاموال المنهوبه وغيرها من القوانين… علينا ان نشدّد على استكمال المسار الاصلاحي، واستكمال المسار الذي سيوصلنا الى تحسين صورة لبنان في الخارج والداخل لنعيد الأمل للبنانيين المُقيمين والمُغتربين، ونجذب المستثمرين، وان الامور ستتحسّن، واننا نُشدّد على دولة المؤسسات واي تغيير سيحصل لن يحصل الا من ضمن المؤسسات، ولا يوجد الا دولة القانون وهي التي ستحمي المواطن اللبناني المقيم على الاراضي اللبنانيه. وسيستمر العمل من خلال القوانين والمؤسسات وسنغتنم الفرص للتحسين وسنصل لمرحله تنفيذ القوانين وتطبيقها إن شاء الله بعزيمتنا وصبرنا وإيماننا والأهم بعملنا الدؤوب وضغطنا المتواصل.