*الذبحة القلبية من دون إرتفاع مُؤشّر ال (ST segment) والخنّاق الصدري غير المُستقرّ: تصنيف درجات الخطورة طُرق العلاج داخل وخارج المستشفى وكيفية الوقاية…*
*امراض القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022*
(الجزء الخامس عشر)
كنا قد تطرّقنا في الجزء السابق من هذا الملف لتعريف و”باثوفيزيولوجيا” او “طريقة حدوث” هذا المرض، وتكلّمنا عن اعراضه وطرق تشخيصه بشكلٍ تفصيلي.
في هذا الجزء المُخصّص لإستكمال الحديث عن هذا المرض سوف نعرض التصنيفات الموجودة لتحديد درجة خطورته، والتي تُساعد كثيراً في تحديد توقيت ونوع العلاج الذي يجب ان نُعطيه للمريض، طرق العلاج الدوائي والتدخّلي المُمكنة، واخيراً اهم سُبل الوقاية الأولية والثانوية منه للحدّ من ظهوره اولاً ثم لمنع تطوّره بعد الإصابة به.
1 *- درجات الخطورة التي تساعدنا على تصنيف المرضى:*
تمكّن أطباء القلب من خلال عدة دراسات سريرية عالمية واسعة وشاملة من تحديد بعض المُؤشّرات الخاصة بالمريض، والحالات المرضية المُرافقة لحالته، والأعراض السريرية الموجودة لديه، والعلامات الموجودة ضمن تخطيط القلب وفحوصات الدّم وخاصة فحص انزيمات القلب في الدم، بحيث استطاعوا تصنيف المرضى في
٣ مجموعات مُختلفة وذلك بحسب تراوح درجة الخطورة ، عبر الارتكاز إلى مُؤشّرين (Score) تمّ تحديدهما من سِجلّ معروف بإسم (GRACE registry) للمؤشر الاوّل، ومُؤشّر آخر مُستقى من دراسة مشهورة إسمها:(TIMI-8)، وقد صنفت هذه الدرجات إلى:
*إ-درجة خطورة عالية (High risk):*
وهم المرضى الذين لا تزول اعراضهم وآلامهم الصدرية نهائياً مع تناول الأدوية المُناسبة، أو الذين تتكرّر لديهم الأعراض رغم تناول العلاجات المُناسبة والمُلائمة وبالجرعات الكافية، المرضى الذين يشكون من قصور في عضلة القلب(Left ventricular dysfunction)، أو اولئك الذين يكون لديهم عدم إستقرار في الضغط الشرياني (هبوط كبير) او إضطرابات خطيرة ومُتكرّرة في نبضات القلب، المرضى الذين يتعرّضون قبل وصولهم، او بعد وصولهم إلى المستشفى، لإضطرابات خطيرة في ضربات القلب وخاصةً البطينية منها (Ventricular arrhythmias) خلال الأزمة القلبية الحادّة. ففي حالة هؤلاء المرضى تزداد نسبة الوفيات الاشتراكات الجانبية بشكلٍ خطير، ولذلك يجب إدخال هؤلاء المرضى إلى “قسم التمييل القلبي” بصورة مُستعجلة خلال أقل من ساعتين من وصولهم إلى المستشفى، من أجل تحديد حالة الشرايين التاجية للقلب في أقرب وقت مُمكن وعلاج الإنسدادات الموجودة لديهم بالطُرق المُناسبة.
*ب- درجة خطورة متوسطة Intermediate risk*
وهم المرضى الذين يوجد لديهم إرتفاع في انزيمات القلب في الدم، أو يعانون من هبوط في مستوى مُؤشّر الـ (ST segment) ضمن التخطيط القلبي، أو الذين يُعانون من مرض السُكّري، أو من قصور في وظيفة الكلى، أو من قصور في عضلة القلب، أو الذين يتعرّضون لآلآم صدرية خلال أقل من 15 يوم من إصابتهم بذبحة قلبية حادّة سابقة، أو الذين يكون لديهم سوابق إصابة بذبحات قلبية سابقة، أو الذين خضعوا لعمليات توسيع لشرايين القلب بواسطة البالون والروسور خلال الأشهر الـستة التي سبقت العارض الحالي، أو الذين خضعوا سابقاً لعمليات “قلب مفتوح” مع زرع جسور أبهرية-تاجية. وفي هذه الحالة يتوجب مُراقبة هؤلاء المرضى في قسم العناية القلبية المُشدّدة، وإجراء عملية التمييل أو القسطرة القلبية خلال 24 إلى 72 ساعة التي تلي إدخالهم إلى المستشفى. ويتمّ متابعة علاجهم وِفق ما تقتضيه نتيجة القسطرة (التمييل).
*ج- درجة خطورة خفيفة (Low risk):*
وهم المرضى الذين تعرّضوا فقط لألم صدري “مُنعزل” او “غير مُصاحب” لأية أعراض خطيرة أخرى، ويشترط أن يكون لا لديهم قصور في عمل القلب أو تغيّرات في مستوى مُؤشّر الـ (ST segment)، أو إرتفاع في مستوى انزيمات القلب في الدم (Cardiac enzymes) على قياسين مُنفصلين ومُتباعدين لفترة 6 ساعات. في هذه الحالة يكون الخطر قليل، ويجب إجراء فحوصات أخرى لكشف نقص التروية في عضلة القلب مثل فحص الإجهاد القلبي أو التصوير الصوتي القلبي مع الأجهاد وغيرها من الفحوصات. ولا يتمّ إجراء التمييل القلبي عند هؤلاء المرضى إلا في حالات التأكّد من وجود نقص تروية في عضلة القلب. ويتمّ العلاج فيما بعد بحسب نتيجة التمييل.
وقد اكدت الدراسات العلمية المُهمّة في مجال هذا المرض مثل دراسات (FRIS II ) و(TACTISC –TIMIT-8) على أهمية العلاج التدخّلي السريع، اي العلاج بواسطة تقنيات البالون والروسور عند المرضى المُصنّفين ضمن “درجة خطورة عالية ومتوسطة”, في حين أن المرضى الذين يُصنّفون في درجة “الخطورة الخفيفة” لا يستفيدون كثيراً من هكذا علاج، ويتحتم التأكد من وجود نقص التروية العضلية لديهم بواسطة الفحوصات التي ذكرت سابقا قبل إجراء التمييل.
*2- العلاج الدوائي والتدخّلي في داخل المستشفى:*
كما في الذبحة القلبية مع ارتفاع مؤشر ال( st segment ) يبدأ العلاج كما ذكرنا سابقاً بإدخال المريض إلى غرفة العناية الفائقة القلبية (Cardiac Care Unit: CCU) أو إلى غرفة مُجهّزة نكون فيها قادرين على مُراقبة التخطيط القلبي بشكلٍ دائم (EKG monitoring or Telemetry). ويجب تزويد المريض بالأوكسجين في حال كان هناك هبوط في نسبته في الدم، او عند حصول أعراض قصور في عضلة القلب مع ضيق في التنفّس. ويعتمد العلاج الدوائي على :
*أ- مُضادّات وعلاجات نقص التروية وادوية تخفيض الدهنيات في الدم:* وهي كما ذكرنا سابقاً في الجزء المُخصّص للحديث عن الخنّاق الصدري المُستقرّ، تحتوي على عِدّة ادوية من اهمها: مُوسّعات الشرايين من عائلة الـ (Nitrates) التي من المُمكن ان يتناولها المريض عن طريق الفم، او بشكل لزقات توضع على الجلد ( الكتف او الصدر)، أو بشكلٍ اكثر فعالية عن طريق الحقن في الأوردة (المصل)، خاصة إذا كان عند المريض أعراض قصور في عضلة القلب، أو إذا كان هناك تكرار للأعراض عنده بشكلٍ مُتواصل وخاصةً في حالة الراحة. ويجب الإستغناء عن إعطاء هذه الأدوية في حال كان الضغط الشرياني الإنقباضي أقل من 90 ملم زئبق. وهناك ادوية اخرى مُوسَعة للشرايين من عائلة مُثبّطات الكالسيوم (Calcium channel blockers) وغيرها ومن الممكن الإستعانة بها ايضاً في هذه الحالة ايضاً. كذلك يجب إعطاء مُسكّنات الآلام مثل الـ (Morphine) في حال إستمرار الألم بالرغم من إعطاء مُوسّعات الشرايين من عائلة ال (Nitrates). ويجب ايضاً إعطاء أدوية أخرى من عائلة “مُثبطات بيتا” (Beta blockers)، في حال كانت ضربات القلب سريعة، وذلك سعياً للوصول إلى معدّل ضربات قلب بين 50 و60 ضربة في الدقيقة. وفي بعض الحالات التي لا يُمكن فيها إعطاء الأدوية من هذه العائلة، أو في حال وجود شكّ بحصول تشنّج في شرايين القلب (Spasm)، فمن المُمكن الإستعاضة عنها بإعطاء أدوية من عائلة مُثبّطات الكالسيوم مثل ال
(Verapamil)، أو ال (Amlodipine)،او ال (Nifedipine). واحياناً يجب تفادي إستعمال هذا الدواء الاخير بسبب إمكانية تسريعه لضربات
القلب لأن ذلك قد يكون ضاراً في بعض الحالات الخاصة.
اخيراً يجب إعطاء دواء من الأدوية التي اثبتت فعالية كبيرة في تخفيض نسبة الكوليسترول الضارّ في الدم، من عائلة الستاتين (Statins)، لأن هذه الأدوية أثبتت فعاليتها الشديدة على مستوى تخفيض نسبة الوفيات والأحداث القلبية الحادّة في حالة التعرّض لمثل هذه الأعراض، خاصة إذا تمّ إعطاء جرعات كبيرة منها في الأيام والأشهر الأولى بعد التعرّض للأزمة.
*ب-مُضادّات التجلُّط ومُضادّات التخثّر):*
وهي من اهمّ الأدوية التي يجب تناولها في هذه الحالات:
– *مُضادّات التجلُّط (Anti coagulants):*
إنّ الأدوية الأكثر إستعمالاً في هذا المجال هي تلك التي تنتمي الى عائلة ال (Low Molecular Weight Heparin: LMWH)، مثل ال (Enoxaparin: Lovenox)، وهو الدواء الأكثر إستعمالاً في مختلف دول العالم وفي لبنان ايضاً. ويتمّ وصفه بجرعتين بنسبة (1mg/Kg) من وزن المريض صباحاً ومساءًا. ويجب مُلائمة الجرعات إذا كان المريض يُعاني من قصور كلوي خفيف أو مُتوسّط. ويجب عدم إعطاء هذا الدواء في حال وجود قصور كلوي شديد. أما الـ (Heparin) العادي، فمن المُمكن وصفه أيضاً في هذه الحالة بكميات تصل إلى 12 إلى 15 UI/Kg من وزن المريض، على أن نصل إلى 1000 وحدة عالمية (International Unit) في الساعة، وعلى أن يكون فحص الـ PTT بين 50 و 70 لكي يكون هذا الدواء فعّال. وفي هذا المجال ظهرت منذ سنوات أدوية جديدة مثل ال (Fondaparinux: Arixtra)، وهو له فعالية أفضل بقليل من ال (LMWH)، لكن إحتمالات النزيف مع إستعماله أقلّ، وكذلك إحتمالات حدوث مشاكل في صفائح الدم، وله إيجابية ايضاً مُهمّة ايضاً تتمثّل في إمكانية إعطاؤه بجرعة واحدة ثابتة يومياً (2.5 ملغ) في هذه الحالات.
*- مُضادّات التخثّر (Antiplatelets):*
يجب إعطاء جرعات من الأسبيرين في هذه الحالة تتراوح بين 165 و 325 mg عند وصول المريض الى المستشفى و 100 mg يومياً فيما بعد. وهذا الدواء يوصف عادة مدى الحياة عند المرضى الذين يتعرّضون لهكذا ازمات في اغلب الأحيان إلا في الحالات التي لا يُمكن فيها تناول الأسبيرين بسبب وجود حساسية مُفرطة على هذا الدواء، او بسبب وجود مشاكل خطيرة في المعدة، او خطر حصول نزيف كبير في الدماغ مثلاً. كذلك يجب إستعمال أحد مُضادّات التخثّر من العائلات الجديدة، مثل ال (Clopidogrel)، وإعطاء المريض بين 300 و 600 mg عند وصوله،
وبعدها 75 mg أو 150 mg يومياً في حال أستشعارنا لخطر أكبر، لأن مُضاعفة جرعات هذا الدواء لمدة أسبوع بعد التعرّض للأزمة الحادّة، أثبتت فعاليتها بشكلٍ كبير عند المرضى الذين يُعانون من هذه الأعراض، كما أظهرت دراسة (CURRENT) . في المقابل لم تُظهر هذه الدراسة فائدة زيادة جرعات الأسبيرين إلى 300 mg مقارنة مع 75 mg أو 100 mg يومياً، حيث يزداد فقط خطر النزيف مع الجرعات الكبيرة، دون تحسّن حالة المرضى من الناحية القلبية.
ومن مُضادّات التخثّر الجديدة، هناك دواء اسمه الـ (Prasugrel : Effient)، الذي من المُمكن أن يُعطى بجرعة 60 mg عند وصول المريض الى المستشفى، و 10 mg في الأيام التالية. وهو أفضل من الـ (Clopidogrel) في حال كانت حالة المريض أخطر، وكانت إحتمالات النزيف أقلّ لديه، لأن هذا الدواء أكثر فعالية من الأخير. ولكن لا يجب إعطاء ال (Prasugrel) عند المرضى البالغين 75 سنة وما فوق، وعند المرضى الذين يزنون أقل من 60 kg، أو عند المرضى الذين يكون لديهم سوابق لجلطات دماغية، لأن هذا الاخير قد يُؤدّي لزيادة إحتمالات حصول نزيف دماغي خطير لديهم. لكن هذا الدواء معتمد تقريباً فقط في الولايات المتحدة وإستعماله محصور جداً او معدوم في لبنان وفي معظم الدول الأوروبية لأن الشركة التي تسوّقه فشلت كثيراً في ذلك بسبب فعاليته الشديدة والمخاطر الكبيرة لحصول نزيف.
أما الدواء الثاني الجديد المُتوفّر حالياً في لبنان وفي كل دول العالم تقريباً والذي حلّ محلّ ال (Clopidogrel) والذي يمكن إعتباره من الجيل الأول من هذه الأدوية، فهو ال (:Ticagrelor
Brilinta)، وهو كما ال (Prasugrel) من الجيل الثاني
الأكثر تطوّراً من هذه الأدوية
وهو يُعطى بجرعة 180 mg عند وصول المريض إلى المستشفى، ومن ثم بجرعات قدرها 90 mg صباحاً ومساءًا. وهو ايضاً أكثر فعالية من الـ (Clopidogrel)، لكن إحتمالات حصول النزيف مع هذا الدواء نسبتها اعلى، ولذلك يجب مراعاة الحالات التي لا يمكن إستعماله فيها وهي معروفة جيداً لدى أطباء القلب.
اخيراً، يجب إعطاء أحد الأدوية من عائلة (Protons Pump Inhibitors : PPI)، خاصةً في حال إعطاء مُضادّات تخثّر الدم مثل الأسبيرين والأدوية الجديدة الأخرى عند مريض كان قد تعرّض في السابق لحالة نزيف او لقرحة خطيرة في المعدة او الإثنى عشر.
*ج-العلاج التدخّلي:*
وهو احد اهم العلاجات المُستعملة في هذه الحالات. وهو يقوم على مبدأ توسيع الشرايين بواسطة تقنيات البالون والروسور (Percutaneous Transluminal Coronary Angioplasty :PTCA)، التي سنشرح كيفية إجرائها وتفاصيل اخرى عنها لاحقاً.
وعند أخذ القرار بإجراء عملية التمييل باكراً بعد دخول المريض إلى المُستشفى، وخاصةً إذا كان المريض مُصنّفاً في “فئة المرضى الشديدي الخطورة” أو “ذوي الخطورة المُتوسّطة”, يجب التنبّه الى إحتمالات حصول حالات نزيف عند هؤلاء المرضى، خاصةً وأن هؤلاء المرضى يتناولون علاجات مُضادّة للتخثّر والتجلّط، ولأن حصول نزيف عندهم يُؤدّي إلى زيادة الخطر بشكلٍ كبير لديهم، خاصة إذا كان النزيف خطير ومُهمّ، او إذا أحتاج المريض إلى تمرير وحدات دمّ لتحسين قوة الدمّ لديه (في حالات النزيف الخطير). ولذلك علينا مُراقبة وتقييم المُؤشّرات التي تزيد من إحتمالات النزيف عندهم وهي : التقدّم بالسنّ، كون الوزن أقل من 60 kg، الجنس الأنثوي، وجود قصور كلوي، سوابق نزيف في الماضي، إستعمال أدوية من عائلة ال (GP IIb/IIIa inhibitors) لديهم، سوء تقدير جرعات مُضادّات التخثّر والتجلّط، واخيراً الإضطرار الى القيام بعملية توسيع الشرايين بواسطة البالون والروسور تحت تأثير هذه الأدوية، لأننا نزيد من حالة سيلان او ميوعة الدّم عندهم مما يجعلهم عُرضة اكثر للنزيف، ومما قد يُضاعف الخطر بشكلٍ كبير لديهم.
ومن المُمكن أن نستعين في هذه الحالات بحلّ يقضي بإجراء القسطرة عن طريق اليدّ (عبر المرور بالشريان الكعبري الموجود في منطقة المعصم تحديداً) بدل الفخذ، من أجل تخفيق حالات النزيف، لأن الضغط على اليد من أجل توقيف النزيف بعد العلاج، أسهل بكثير من الضغط في منطقة الفخذ, خاصةً عند المرضى البدينين حيث تزداد كثيراً إحتمالات النزيف. وبعد تلقّي العلاج وتوسيع الشريان بالبالون والروسور، من المُمكن تخفيف جرعات الأدوية المُضادّة للتجلّط والتخثّر إلى كميات أقلّ، وتخفيف إحتمالات النزيف الناتجة عن تناولها. بعد ذلك يعود المريض إلى غرفته لكي تتمّ مُراقبته لمدة 24 ساعة، وبعدها من المُمكن أن يخرج إلى منزله بعد التأكّد من أن كل المُؤشّرات طبيعية مع عدم وجود أي اشتراكات.
*3- العلاج عند الخروج من المستشفى:*
هناك مجموعة من الأدوية يجب على كل مريض تعرّض لذبحة قلبية من دون ارتفاع في مؤشر الى (ST segment) او لحالة خنّاق صدري غير مُستقرّ ان يتناولها بحسب حالته، لأنها اثبتت انها تمنع معاودة ظهور الأعراض وظهور مؤشرات قلبية مجددا والوفيات، او تمنع تطوّر المرض وتمدّده على الشرايين الأخرى. ولذلك فهي تُحسّن مُستقبل المريض وتُطيل في عمره لأن معظمها اثبت تخفيف نسبة الوفيات العامّة والقلبية الناتجة عن هذا المرض في هذه الحالة .ومن هذا المنطلق يجب إستكمال تناول الأسبيرين مع مُضاد تخثّر آخر مثل الـ(Clopidogrel)، أو ال (Prasugrel)، او ال (Ticagrelor) وتناولهما لمدة سنة كاملة مع دواء من عائلة ال (Statins)، بهدف تخفيض مستوى الـ (LDL Cholesterol)
إلى أقل من 0,55 غرام في الليتر. وكذلك يجب إعطاء أدوية من عائلة ال (Beta blockers) في حال كان هناك قصور في عضلة القلب و/او تسرّع او إضطراب خطير في ضربات القلب. كذلك يجب تناول الأدوية من عائلة ال (ACE inhibitors)، أو ال (ARB’s) إذا كان المريض يُعاني من مرض إرتفاع في الضغط الشرياني، و/أو من قصور في عضلة القلب ايضاً . وكذلك يجب إذا امكن إضافة كل الأدوية الجديدة التي اظهرت فعاليتها في حالة قصور عضلة القلب والتي كنا قد ذكرناها في مقالات سابقاً مثل (Entresto, (Forxiga,Jardiance, Epelernone وغيرها في حال كانت هناك قصور في عضلة القلب مع إنخفاض في قوة الكسر القذفي لعضلة القلب أقل من %35. كذلك يجب إضافة دواء من عائلة ال(PPI) لحماية المعدة، في حال وجود مشاكل في المعدة أو سوابق نزيف في المعدة.
4 *- الوقاية الأولية والثانوية:*
*أ- الوقاية الأوّلية*: كنا قد شرحنا كيفية الوقاية الأوّلية من مرض تصلًب الشرايين في معرض حديثنا عن الخنّاق الصدري المُستقرّ، وقلنا انها تهدف الى مُراقبة وعلاج كل عوامل الخطورة التي قد تُؤدّي الى ظهور مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب وغيرها من شرايين الجسم. ومن اهمها طبعاً تغيير نمط الحياة، بما في ذلك ايقاف التدخين بكل اشكاله، إعتماد نظام غذائي صحّي وسليم، القيام بالتمارين الرياضية بشكلٍ شبه روتيني (على الأقل ثلاثة مرات في الأسبوع لمدّة ٤٥ دقيقة تقريباً)، مُحاولة تخفيف ومراقبة زيادة الوزن والبدانة، الإبتعاد عن التوتر والقلق والإكتئاب والنوم السليم. ويجب كذلك علاج ومُراقبة مرض إرتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري وخاصةً النوع الثاني منه، وعلاج ارتفاع الدهنيات في الدم وغيرها من عوامل الخطورة المعروفة لهذا المرض.
وتبقى كل الخطوات مطلوبة بكل تأكيد في حالة الإصابة بالأعراض التي ذكرناه سابقاً لأن هذه الأعراض الخطيرة تُعتبر كما شرحنا مرحلة اكثر تطوراً من الخنّاق الصدري المُستقرّ. وعلى المريض التشدّد اكثر في تطبيق كل إجراءات الوقاية التي اشرنا اليها لمنع تطوّر هذا المرض والحدّ من إنتشاره.
*ب-الوقاية الثانوية:*
وهي تستند على إعتماد كل التدابير التي يجب ان نلجأ اليها بعد التأكّد من وجود مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب، خاصة اذا خضع المريض لعملية توسيع بالبالون والروسور لأحدى الشرايين التاجية، او لعملية قلب مفتوح مع زرع جسور ابهرية-تاجية، او عندما يتأكّد الطبيب من وجود مرض تصلّب الشرايين بواسطة القسطرة.
وهي تهدف الى إعتماد كل الإجرءات للحدّ من إنتشار المرض بعد إكتشافه وتشخيصه عند المرضى. وتُغطّي هذه المرحلة الأعمال التي تهدف إلى العمل في بداية ظهور الإضطراب أو العِلم بوجود المرض من أجل منع تطوّره أو حتى القضاء على عوامل الخطورة التي تتسبّب به.
ومن هنا نُؤكّد على ضرورة تناول كل الأدوية التي تستدعي حالة مريض تناولها بحسب حالته السريرية، عوامل الخطورة الموجودة عنده (مثل إصابته بمرض السكري او إرتفاع الضغط الشرياني او إرتفاع في الدهنيات في الدم، او إصابته بفشل كلوي او كبدي وما الى ذلك)، حالة نبضات القلب لديه (سريعة او بطيئة)، قوة عضلة القلب والكسر القذفي للعضلة لديه وغيرها من المُؤشرات الأخرى التي يجب على الطبيب المُعالج ان يأخذها بالحسبان.
وفي كل الحالات يجب على المريض حُكماً وقطعاً مُتابعة المُراقبة الطبية بشكلٍ مُتشدّد وزيارة الطبيب المعالج على الأقل كل ثلاثة او ستة اشهر من اجل مُتابعة حالته السريرية مع إجراء فحص سريري كامل، الكشف عن إمكانية معاودة الأعراض (الم الصدر وصعوبات التنفّس خاصةً). ويجب إجراء تخطيط القلب العادي في حالة الراحة بشكلٍ دوري خلال كل معاينة طبية. كذلك يجب إجراء التصوير الصوتي للقلب مع الدوبلر وتخطيط القلب عند الإجهاد بشكل دوري ايضاً، كل ستة اشهر وبشكلٍ متناوب او كلما اقتضت الحاجة، وذلك بهدف الكشف عن معاودة إنسداد الشريان الذي تمّ توسيعه او للبحث عن تمدّد المرض على الشرايين الأخرى، في حال كان المريض قد خضع لهكذا عمليات او لديه مشاكل معروفة على تلك الشرايبن، او لإعادة تقييم حالة عضلة القلب وتحسّن حالتها او تدهوره مع الوقت والذي قد يكون احياناً مؤشّر على معاودة تطوّر المرض وإنتشاره على شرايين اخرى.
وفي كثير من الأحيان قد نُعاود اللجوء الى إجراء القسطرة القلبية او تمييل شرايين القلب، من اجل البحث عن إمكانية مُعاودة إنسداد الشرايين التاجية للقلب التي كنّا قد وسّعناها في السابق او البحث عن إصابات في الشرايين الأخرى خاصةً اذا استمر المريض بالتدخين بعد إصابته بهذا العارض، او اذا كان مصاباً بمرض السكري او بقصور او فشل الكلى وهي عوامل وامراض تؤدّي الى تسارع تطوّر المرض وتفاقمه. ونحن نعتمد عادة على القسطرة او تمييل شرايين القلب في لبنان والدول الأقلّ تطوّراً على مستوى تقنيات التصوير القلبي، او في الدول ذات الإمكانيات الإقتصادية المحدودة، لأننا نعتمد اكثر على تقنيات الطب النووي للقلب او التصوير الطبقي المحوري للقلب في الدول المُتقدّمة لأن التغطية الصحية الشاملة الموجودة في تلك الدول تسمح بالمرور بهذه “المرحلة الوسطية” قبل اللجوء لإعادة القسطرة خاضة وان هذه التقنيات مُكلفة نسبياً، وهي غير غازية او خطيرة مثل عمليات القسطرة وهي تسمح لنا بشكلٍ جيد بتحديد حالة تروية عضلة القلب وباللجوء الى القسطرة في حال كانت نتائجها غير طبيعية. وهذا الحلّ هو طبعاً غير ممكن حاليا. في لبنان لأسباب مُتعددة يأتي في اولها تدهور حالة القطاع الطبي والإستشفائي في لبنان، الوضع الإقتصادي والمعيشي المُنهار، و”عدم وجود تغطية صحية كاملة” تسمح للمريض بالإستفادة من هذه “الرفاهية الطبية”، خاصةً وانه اليوم في وضع معيشي مُزري غير قادر فيه اصلاً على تغطية كلفة عمليات التمييل وكلفة اقل الأدوية الأساسية التي يجب ان يتسعملها بشكلٍ روتيني.
د. طلال حمود- طبيب قلب وشرايين، مُتخصّص في الطبّ التدخّلي للقلب وفي امراض القلب عند المُصابين بمرض السكري وعند الرياضيين.
مُنسّق مُلتقى حوار وعطاء بلا حدود.