كتبت النهار
بات في حكم المؤكد ان “العروض الحوارية” التي تواكب الانسداد السياسي والنيابي في ازمة الفراغ الرئاسي قد لا تتكرر للمرة الثالثة، بعدما سقط امس العرض الثاني تباعا في اقل من شهر ونصف الشهر بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. ومع ان سقوط الدعوة الثانية الى الحوار بين رؤساء الكتل النيابية التي قدمها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الأسبوع الماضي في الجلسة النيابية التاسعة لانتخاب رئيس الجمهورية لم يكن مفاجئا، فان اللافت في هذا التطور تمثل في ان العرض الحواري سقط مجددا برفض “القوات اللبنانية” لهذا العرض، بل وبدعوتها الرئيس بري الى سحب الدعوة، تثبيتا لموقفها الرافض أساسا لاي حوار يتجاوز جلسات انتخاب رئيس الجمهورية واشتراطها ان تبقى الجلسات مفتوحة انتخابيا. وإذ سارع الرئيس بري الى توجيه الدعوة الى جلسة انتخابية الخميس من دون ان يصدر عنه أي تعليق او موقف من رفض “القوات” دعوته، فان المناخ الانتخابي والسياسي بدا متجها الى مزيد من التأزم بما يرجح ان تبدأ بعد الجلسة العاشرة الخميس عطلة طويلة مبكرة للنواب حتى ما بعد رأس السنة الجديدة وسط تزايد الأجواء المتشائمة في الرهان على أي اختراق داخلي من شأنه ان يدفع باحتمالات انتخاب الرئيس المقبل في وقت قريب. كما ان اوساطا معنية برصد التحركات والمواقف المعنية بالاستحقاق الرئاسي داخليا وخارجيا شددت على ان عملية تضخيم الرهانات على تدخلات خارجية مؤثرة لانهاء ازمة الفراغ وانتخاب رئيس للجمهورية بدآت بالانحسار والتراجع بعدما وضعت المعطيات الجدية الأوساط اللبنانية امام واقع فتور خارجي الى اقصى الحدود حيال الاستحقاق اللبناني وترك كرة لبننته في مرمى الطبقة السياسية لحضها وحشرها على تحمل مسؤولياتها في منع انزلاق البلاد نحو متاهة انهيار اشد خطورة من السابق. وفي هذا السياق، حسم موضوع عدم قيام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بزيارة خاطفة لساعات عدة للوحدة الفرنسية العاملة ضمن قوة اليونيفيل في جنوب لبنان عشية عيد الميلاد كما كان الاتجاه الاولي لديه، وتقرر ان يتوجه لبضع ساعات الى الحاملة الفرنسية شارل ديغول في البحر الأحمر من طريق مصر بعد انتهاء مؤتمر بغداد – 2 الذي سيعقد في عمان لقادة دول من المنطقة برئاسة ماكرون والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
“القوات” وبري
اما في موضوع الحوار فلم ينتظر الرئيس بري بعد الموقف الذي أعلنته “القوات اللبنانية” امس، الموقف النهائي لـ “التيار الوطني الحر” الذي لم يكن اعلنه، اذ دعا الى عقد جلسة للمجلس النيابي، في الحادية عشرة من قبل ظهر يوم غد الخميس، لانتخاب رئيس الجمهورية، بما يعني عمليا تخلّيه عن دعوته الى الحوار.
وكانت “القوات اللبنانية” دعت في بيانها رئيس المجلس الى “سحب دعوته الى الحوار والعودة الى نصوص دستورنا الواضحة من خلال دعوة المجلس الى عقد جلسات مفتوحة لا تنتهي الا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية”. واعلنت “أن تكون الدعوة الى الحوار، أي حوار، بمثابة تعطيلٍ واضح لموجب دستوري كانتخاب رئيس للجمهورية، او تمديدٍ غير معروف الأفق السياسي ولا السقف الزمني لواقع الشغور الرئاسي، كما هي حال الدعوة الى جلسةٍ للحوار يوم الخميس، فان “القوات اللبنانية” ترفضها رفضاً قاطعاً بما لا يحتمل أي لبس او تأويل”. واعتبرت “ان استبدال جلسات انتخاب الرئيس من قبل مجلسٍ نيابي أصبح في حالة انعقاد دائم بحسب أحكام المادة 74 من الدستور لانتخاب رئيس للجمهورية، يشكّل سابقةً دستورية خطيرة تحذّر القوات من ارسائها، وتضعها برسم الرأي العام اللبناني الذي وحده يعنيها، لأنها تتحمّل مسؤولية تمثيله بما تشكّله من كتلة نيابية هي الأكبر في البرلمان اللبناني”. وردت على “من ينبري عن سوء نيّة لاتهام القوات برفض فكرة الحوار والوقوف بوجهه، باتهام واضح وبأشد العبارات بأن من يعطّل تطبيق الدستور ومن يمدّد عمر الشغور الرئاسي وبالتالي عمر الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية التي لا يؤدي تعطيل انتخاب الرئيس سوى الى مفاقمتها، هو من تجب مساءلته أمام الشعب والتاريخ”.
حزب الكتائب الذي لم يكن عارض الدعوة الحوارية الأخيرة شدد على “ضرورة استكمال النقاش الذي بدأه نواب الكتائب داخل المجلس حول المادة 49 التي تتحدث عن النصاب القانوني لانعقاد الجلسة وحسمه مرة لكل المرات تمهيدا لانعقاد دورات اقتراع متتالية تفضي إلى انتخاب رئيس بعيدا من منطق التعطيل المعتمد حاليا، ودعا الفريق الآخر الذي لا ينفك يتحدث عن يده الممدودة للتوافق، إلى الخروج من منطق الورقة البيضاء والإقدام على طرح اسم يتيح الدخول في لعبة الانتخاب الديموقراطية”. ورأى “أن ربط مصير الاستحقاق والبلد بتفاهمات ثنائية تسقط حينا وتعوم أحيانا بحسب الأهواء والطموحات الشخصية أو الارتباطات بأجندات خارجية هو أكبر دليل على أن “حزب الله”وحلفاءه يتحكمون بالبلد ويأخذونه رهينة مصالحهم ومصالح مشغلهم الإقليمي بانتظار تسوية تأتي بالرئيس الذي يحمي السلاح”.
ومن دون أي توضيحات غردت امس السفارة الايرانية في لبنان عبر حسابها على “تويتر”: “إيران عرضت مرات عدة تقديم الدعم للشعب اللبناني الشقيق لمساعدته على الخروج من أزمته، إلا أن أعداء لبنان عرقلوا ومارسوا الضغوط للحؤول دون وصول الأمور إلى خواتيمها الإيجابية، تحت حجج وذرائع واهية. هؤلاء لا يريدون مساعدة لبنان ويسعون لمنع الآخرين من تقديم المعونة”.