كتبت النهار
من أغرب معايشات اللبنانيين عند أبواب نهاية السنة أن تبقى عناوين الانهيار الذي انفجر قبل أكثر من ثلاث سنوات تدور على مسامعهم ومرآهم وكأن الانفجار حصل البارحة. ليس الأمر متصلاً بالمخاوف المتصاعدة من انزلاق لبنان الى متاهات جديدة أشد خطورة وتفاقماً من الكوارث المالية والاجتماعية فحسب، بل بما يطلقه خبراء ماليون واقتصاديون من تحذيرات حيال “شطب” الودائع في المصارف بنسبة ساحقة في خلفية ما يُسمّى “خطة التعافي” الحكومية رغم أن هذه الخطة لم تكتمل ولم تقرّ بعد. نتساءل ونحن نقرأ ، في “نهار” أمس، عن خطة بديلة للتعافي تضمن أموال المودعين، كيف تراءى لـ”فكر” حكومي أو دولتي أو مؤسساتي مسؤول عن التعامل مع إحدى أسوأ الأزمات الكارثية التي عرفها بلد في العالم منذ أكثر من قرنين، أن يمضي بلا رفة جفن في خيار سحق الودائع في المصارف بعد طوفان الكارثة هذه؟
قد لا تقدم ولا تؤخر تساؤلات من النوع الذي يكرره اللبنانيون في كل لحظة أمام الإذلال النمطي الذي يتجرعونه في يومياتهم بل في معاناتهم القسرية المتوحشة في الاصطفافات المهينة أمام شبابيك المصارف وآلات السحب التي صارت كأنها أدوات التعذيب في معسكرات الإرهاب. ولكن ذلك لا يوجب الاستسلام لنمط استتباع الناس لإجراءات الإذلال التي تلائم السلطات السياسية والمصرفية نفسها التي تقيم على إدارة الانهيار بأسوأ ممّن وما تسببوا به هم أنفسهم وغالباً بالأيدي نفسها على طريقة “حاميها حراميها”.
أن تمر كل يوم عبارة “شطب الودائع” ولا ترى حكومة أو سلطة أو مرجعاً أو أي “كائن” مؤسساتي يُفترض أنه يشعر بثقل تمرير هذا الهول ولا يقبل الإمعان في الترهيب به فهذا بذاته هو المنزلق الأخطر والأحدث في متاهات الانهيار والكارثة التي ضربت عافية اللبنانيين في أقدس حقوقهم الخاصة والعامة سواء بسواء. يمعنون في الثرثرة حين تكون جلسات التكاذب مفتوحة على الشاشات والنقل المباشر في المسمّاة جلسات لجان نيابية وهي واقعياً منبريات ثرثرة جوفاء لم تأت مرة بأيّ جدوى يُعتدّ بها في معالجة أي ملف من ملفات الانهيار . “انتصر” الطاقم السياسي القديم – الجديد في منع أكبر محاكمة كان يجب أن يشهدها العالم حيال الانهيار الذي ضرب بلداً كان ولا يزال يختزن قدرات ومكوّنات وطبائع نخبوية في شعبه تخوّله التحليق في فضاء هذه المنطقة فصار شعبه يحسد معظم محيطه وحتى بعض البلدان التي ترزح تحت حروب. ومع ذلك ها نحن الآن، في عز مرحلة المجهول الذي لا ندري الى أين يبحر بلبنان، لا نرى ولا نسمع إلا عن سقطات وصراعات وتجاذبات في حكومة هي آخر أوراق التين العارية في شرعية ممزقة لم يبق منها العهد البائد السابق أي عصب إنقاذي، وتتخبّط هذه الحكومة في أسخف السخافات حول جنس ملائكة الجلسات المتصارع عليها وكأن انعقادها من عدمه سينتشل لبنان من الوادي السحيق التي يتخبط فيه. كنا “سنحترم”، بل نستعيد النزر اليسير القسري من الاحترام، شرعية حكومية باقية لو نشأ تجاذب أو خلاف حول حقوق اللبنانيين على الدولة في ضمان خطة إنقاذية لودائعهم كما لتعافي الاقتصاد في الحدود الدنيا التي يتطلبها منع الانهيار من بلوغ حافة الإعدام الجماعي للبنانيين. ولكن أين كل هذا ممّا يسمعه ويراه اللبنانيون من مهازل الوزراء والنواب “الدمى” أو “المهرّجين” الهازجين كأنهم في عالم خيالي افتراضي؟