كتبت النهار
من غير الحتمي تبعاً لأرقام الإحصاءات المتدهورة منذ ثلاثة أعوام ان تكون السنة الآفلة 2022 هي الأسوأ بينها في سياقات انهيار لبنان المصنف ثالث اسوأ انهيار عرفه العالم في القرنين الأخيرين. ومع ذلك يصعب تجاوز الحقيقة المعنوية والوطنية والإنسانية اللبنانية الساحقة التي تصنف هذه السنة بأنها تتويج لذروة السوء بذروة الأسوأ.
وقائع هذه السنة ليست في حاجة الى قرائح المؤرخين والمحللين ولا الى خلاصات الصحافة والإعلام لكي تتجمع عند الخلاصة الأشد قسوة في معادلة القهر النمطي الذي صار لبنان أسيرها من خلال استعادة أخطر ما يقطع تواصل الدولة مع الدولة والمؤسسات مع المؤسسات والدستور مع الدستور. هذا البلد أصيب بقدر لا خلاص منه ما دامت ثمة شرائح سياسية وحزبية وطائفية تعتنق عقيدة قاتلة وتدمن سياسات قاتلة وتجرّع اللبنانيين سُم الانتقام من كون بلدهم كان في زمن بعيد وظل لزمن طويل البلد الأكثر تأهلاً لثقافة الاشعاع في كل نواحي التطور. هذا القدر اللعين أعاد في السنة الآفلة هذه ظاهرة الفراغ وفرضها قسراً بقوة الاستقواء ولكن بما لا يتخيله عقل. جاءنا الفراغ الرئاسي والمؤسساتي والدولتي هذه المرة وريثاً للعهد العوني الذي حلّت نهايته قبل شهرين من نهاية السنة متوّجاً بأعظم إنجازاته اطلاقاً وهو انه “عهد القوي” الذي لفرط قوته دخل التاريخ من اوسع بواباته المشؤومة مسجلاً انه كان عهد أسوأ انهيار عرفه لبنان في تاريخ تكوينه. لم تقف أفضال هذا العهد عند الانهيار الذي اتبع في شأنه ذروة ابداعاته في سياسات الانكار الشعبوية التي يدمنها بتحميل سائر الآخرين تبعة ما يصحّ فيهم ولا يصحّ مصوراً نفسه قديسا مظلوما بين الشياطين الفاسدين، بل اكمل كل ذلك بتقاسم المخطط الانقلابي المتدحرج الذي قام عليه تفاهمه مع حليفه “حزب الله” منذ عام 2006، والذي كان من جملة مآثره التاريخية شراكة هذين الفريقين في تقويض النظام الدستوري الديموقراطي وإحلال الفراغ الرئاسي مرة أخرى وفرضه على اللبنانيين والاسرة الدولية. إذن أسوأ العهود اللبنانية أورث لبنان الانهيار ومن ثم الفراغ، فأي “عظمة” تتفوق على عظائم كهذه؟ ولئن كانت نهاية العهد العوني وما سبقها وما تبعها من تداعيات واحداث وتطورات المحور الأساسي الذي طبع وقائع هذه السنة فلا يعني ذلك تجاهل الأثر البالغ لحدثٍ كان يفترض ان يحدث التحول الجذري الذي انتظره كثيرون بعد هذا الانهيار وبعد تلك الانتفاضة المدوية التي شهدها لبنان قبل ثلاث سنوات ولكنها لم تبلغ الهدف الأكبر منها وهو تحقيق التغيير السياسي الجذري الإصلاحي الشامل في الدولة والمؤسسات. ذلك ان استحقاق الانتخابات النيابية في أيار الماضي انطوى على وجهين شديدَي التضارب، أولهما إيجابي من منظار تحسين التمثيل النيابي اذ وفرت التركيبة النسبية، ولو هجينة، افضل تمثيل للقوى المسيحية الوازنة خصوصا وجاءت أيضا بأول كتلة “تغييرية” بدفع حضور هو الأول للانتفاضة الاجتماعية التغييرية. وثانيهما شديد السلبية وهو المتصل بتجديد القوة الساحقة لقوى تمتهن سياسات التبعية الإقليمية والتعطيل الداخلي بفعل الاستقواء وسد منافذ التغيير بالترهيب متى استهدفها. أحبط مَن شكّل انتخابهم ايقاظا للرهان على التغيير خطا بيانيا اصلاحيا جذريا كان يفترض ان يلاقي تصحيح التمثيل للقوى السيادية خصوصا، وكانت هذه السقطة من اخطر الخدمات التي وفرت، ولا تزال، للقوى التعطيلية الانقلابية استباحة لبنان مجددا بالفراغ…