كتبت النهار
ثمة مبالغة محلية في الحديث عن الاجتماع الثلاثي أو الرباعي الذي ينتظر أن تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس حول الأزمة اللبنانية. المبالغات ليست طارئة على بعض الإعلام اللبناني، ولا هي غريبة عن العقلية اللبنانية التي تتوهم أن لبنان محور الكون الذي يدور في فلكه الآخرون. الحقيقة في مكان آخر. فبالنسبة الى موضوع الاجتماع الباريسي يمكن القول إن الظروف الخارجية لم تنضج بعد من أجل البحث في موضوع الرئاسة بالتفاصيل، بالرغم من أن المجتمعين العربي والدولي يستعجلان القوى اللبنانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والمسارعة الى تكليف رئيس للحكومة الجديدة وتشكيلها بسرعة من أجل إتمام حلقة المؤسسات الدستورية التي تحتاج إلى أن تعود الى العمل توطئة لإطلاق برنامج إنقاذي يحتاج إليه لبنان في أسرع ما يمكن. هذا الهدف يبقى نظرياً ما دامت معظم القوى السياسية اللبنانية غير مستعجلة لتحمّل مسؤولياتها والعمل جدياً من أجل انتخاب رئيس جديد مختلف عن الرئيس الذي انتهت ولايته بنهاية شهر تشرين الأول الفائت. ومع أن العامل الخارجي مهم للغاية، لكن استمرارالواقع المحلي في حالة من اللاتوازن كما هي الحال اليوم سيطيل مرحلة الشغور الرئاسي والوهن الحكومي فيما البلاد تسير في منزلق خطير للغاية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. من هنا فإن دور أي اجتماع خارجي حول لبنان، لكي يكون مفيداً، يجب أن يقترن بحركة داخلية لا تسلّم أمرها لموازين القوى المفترضة. فهذه الموازين حاسمة لأنها لا تواجه بمعارضة جدية حتى من القوى الأقل وزناً في الساحة. فمتى كانت موازين القوى على الأرض هي المعيار الوحيد في المعارك السياسية أو غير السياسية، ثمة معايير أخرى ومتغيّرات تدخل في الحسابات وتقلبها. الاقوى ليس دائماً الطرف الذي يفرض في النهاية خياراته. المعارضة الجدية، لا بل المقاومة الحقيقية، يمكن أن تحدث فارقاً بين الاستسلام التام كما هو حاصل اليوم وبين إرساء معادلة فيها شيء من التوازن. بهذا المعنى نقول إن إصرار “حزب الله” على فرض مرشحه للرئاسة يجب أن يواجه بقوة وعزم، وبعيداً عن عقلية الاستسلام لفائض القوة. وهنا لا يجوز الاتكال على التدخل الخارجي وحده، بل يجب أن يواجه فائض القوة والفرض بتوحيد صفوف القوى التي ترفض أن يتحول لبنان الى معسكر تحرسه ميليشيا مذهبية فاشستية، عندها يمكن التوجه الى الخارج لنيل مساعدته على رفع يد الميليشيا عن رقاب اللبنانيين. إن الذين ينتظرون الفرج من الخارج فيما يقفون متفرجين في الداخل هم الذين يساعدون القوة التي تدمر لبنان يوماً بعد يوم على بلوغ هدفها بسهولة متناهية. هؤلاء أكثر ضرراً على البلاد من الطرف المدمّر للكيان.
صحيح أننا نقول إن لبنان بحاجة للتدخل الخارجي لفرض توازن مع قوة يقال إنها لبنانية، فيما الحقيقة أنها تنظيم أمني – مخابراتي –عسكري يعمل في إطار أجندة خارجية. لكن التدخل الخارجي الداعم لسيادة لبنان وحريته وحياده يحتاج من الغالبية اللبنانية الرافضة للوصاية الجديدة والهيمنة أن تكون أكثر وعياً لمسؤولياتها التاريخية تجاه البلد. إن المواجهة ليست مع شريك في الوطن، إنها مواجهة مع طرف إقليمي يقيم احتلالاً مقنّعاً في لبنان. من هنا لا بد من تغيير العقلية السائدة في الحياة السياسية التي تغمرها التفاهة، والحسابات السلطوية الصغيرة. ففي النهاية إن من يعتبرون أنفسهم قادة البلاد حوّلوا أنفسهم الى أدوات يستغلها الطرف الأقوى الذي يتغذى من جبن هؤلاء وقصر نظرهم.
.