كتبت النهار
لغاية الآن من الصعب تصوّر أن العلاقة العميقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” آيلة الى انهيار تام. صحيح أن الخلاف حول الاستحقاق الرائسي حقيقي. وصحيح أن الرئيس السابق ميشال عون، ضحّى بعهده من أجل توريث صهره جبران باسيل وخوض معركته للوصول الى الرئاسة من بعده منذ اليوم الأول، ولذلك فهو يعتبر أن “حزب الله” يوجّه إليه ضربة قاصمة من خلال تأييد ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، معتبراً أن الخطوة هي بمثابة محاولة لدفن زعامته وإرثه السياسي حتى قبل أن يغادر هذه الدنيا. من هنا الخلاف عميق، لأنه يدور أيضاً حول فهم عون نفسه لمعنى وصوله الى رئاسة الجمهورية، وهو الذي كان يعتبر أنه ثالث الثابتين في المواقع الدستورية الثلاثة، فرئاسة مجلس النواب معقود لواؤها للرئيس نبيه بري كممثل لـ”الشيعية السياسية” منذ ثلاثة عقود، وستبقى حتى لو تقاعد ضمن الفريق نفسه في المدى المنظور من دون تغيير. أما رئاسة مجلس الوزراء فقد كانت حتى العام الماضي في بيت الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو من ينوب عنه، أو من يدور في فلكه، أو من يحوم حول مائدته، أو من يتحيّن فرصة لعب دور البديل. لكن بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي قبل عام قد تتغير المعادلة. لكن لا شيء واضح حتى الآن. بالنسبة الى رئاسة الجمهورية يعتبر عون نفسه الثابت والآخرون هم المتحولين. بمعنى أنه لا يقبل أن يخرج من رئاسة الجمهورية كمن سبقوه. فهو زعامة شعبية صار لها في المعترك ما يزيد على الثلاثة عقود ولذلك لا يفهم أن حلفاءه يريدون له أن يتقاعد. من هنا حربه للبقاء في بعبدا من خلال صهره الذي يعتبره ابناً له. لكنّ ثمة بوناً شاسعاً بين رؤية عون لموقعه في معادلة رئاسة الجمهورية والواقع على الأرض الذي يضعه على تناقض مع الغالبية العظمى من القوى السياسية اللبنانية بغضّ النظر عن تموضعها في اللعبة. أعداؤه كثر للغاية.
و بالرغم من أن قضية عون وصهره خاسرة ولا سيما أن “حزب الله” واضح بتأييده فرنجية، فإن أمام عون وتياره فرصة ذهبية تاريخية يمكنه أن يستغلها، هذا إن لم يكن متورطاً مع “حزب الله” في ما هو أبعد من مجرد التحالف السياسي المعلن والظاهر. في استطاعة عون أن يقلب الطاولة على حليفه الذي لا يستمع إليه، من خلال الانتقال الى الضفة الأخرى في المعادلة السياسية. وربما أمكنه أن يسهم كثيراً إذا ما قفز الى الموقع الآخر، أي الى تحالف السياديين ورأس الحربة المسيحية فيهم “القوات اللبنانية ” و”الكتائب” وحلفاؤهم من الشخصيات المستقلة، في كسر نفوذ “حزب الله” في عملية اختيار رئيس الجمهورية المقبل. ولنفصّل أكثر، ماذا لو قفز عون وتياره الى تحالف عريض مقابل الممانعة يتفق على اسم رئاسي مشترك كاسراً بذلك مسار هيمنة “حزب الله”على الخيار الرئاسي؟ وماذا لو تمكن من أن يشكل حلفاً مع القوى المسيحية المعارضة لـ”حزب الله” تحرّر الرئاسة نهائياً من كلمة الحزب المذكور وتنتزع منه القدرة على الفرض ترشيحاً واختياراً؟
إن أمام ميشال عون، إن لم يكن ذهب في تورّطه مع “حزب الله” الى أماكن بعيدة وخطرة، فرصةً تاريخية لكي يحرر رئاسة الجمهورية التي هيمن عليها الحزب المشار إليه خلال ولايته الرئاسية، ولكي يعيد تأهيل نفسه سياسياً ووطنياً، لأن بقاءه جزءاً من تحالف الممانعة الذي يقوده “حزب الله” صار عبئاً يستحيل عليه أن يتحمّله أو أن يورثه لصهره من بعده بالسلاسة التي يتصوّرها. فهل يلتقط عون هذه الفرصة الذهبية؟