كتبت النهار
ليس مهماً مَن يكون الزوج ومن تكون الزوجة في “الطلاق” البائن بين قطبَي “تفاهم مار مخايل” المتهاوي بأنفاسه الأخيرة، بل إن ما يعني اللبنانيين من تداعيات نهايته هو ألّا يدفعوا تكاليف “نفقة الطلاق” اسوة بتكاليف منهكة للقران سحابة 17 عاما. تزداد وتتسع وتيرة الصراعات احتداماً حول الواقع الحكومي لحكومة تصريف الاعمال بفعل انفجار متدحرج للعلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بما بات يتحكم بالكثير من مجريات ازمة الفراغ الرئاسي أولاً وتالياً ازمة الاجتهادات المتصلة بإدارة حكومة تصريف الاعمال لمرحلة الشغور الرئاسي. هذا الصخب الذي يتفجر في كل مرة تملي احتقانات البلاد وأزماتها الاتجاه الى جلسات حكومية تحوَّل واقعياّ الى مظهر من مظاهر ترجمة الأثمان الأساسية السياسية والدستورية لانفجار التفاهم المزمن بين “الحزب ” و”التيار” اكثر منه لأي دافع آخر بما فيه “الذعر” الماروني والمسيحي مما تسميه بكركي “تغييب” المواقع الكبرى للطائفة.
والحال ان مفارقة ولا أغرب انزلق اليها لبنان في فترة قصيرة قياسية تتمثل في ان قطبَي “تفاهم مار مخايل” اللذين ارغما البلاد قسراً، بفعل اختلال ميزان القوى الداخلي منذ انقلب ميشال عون على الجبهة السيادية مع عودته الى لبنان من فرنسا، على تجرّع الاثمان والتكاليف المدمرة لذاك التحالف، يدفعان بالنمط نفسه لبنان كله اليوم لتكبّد تكاليف انهيار تحالفهما. الحزب الحديدي الذي يزعم اللهفة على وحدة البلاد ويهاجم سمير جعجع بزعم اتهامه بالتقسيم أقام كل معالم الاستقواء على الدولة الواحدة الموحدة في ما يُعتبر أخطر أرضية للتقسيم بغطاء مطلق من “التيار العوني”، وإذا به الآن يلجأ الى الأسلوب النمطي الذي فقد كل مضمون وكل صدقية في استسهال التخوين للخصوم وإسباغ الشهادات بالوطنية. وأما حليفه “التيار” الناهد الى طلاق سريع بعدما فقد الجنّة والآخرة في هذا التفاهم البائد فراح يحوّل ازمة حساباته الخاسرة عقب انهيار البلاد بين ايدي عهده البائس الى ازمة ذات امتدادات وحشوة طائفية لاستدراج القوى المسيحية كافة الى مزالق يُسأل عنها هو أولاً وأخيراً بفعل “مندرجات” تحالفاته المنهارة اسوة بعهده.
لعله يتعين على القوى الأخرى كافة، مسيحية وإسلامية، التوقف بحذر شديد جداً عند هذه النقطة التي تتصل بواقع جدي هو ان تحالفاً سياسياً وسلطوياً ذا طبيعة داخلية وإقليمية حلَّ في جانب واسع منه مكان سلطة وصاية النظام السوري المنسحب من لبنان قبل سنة واحدة من ولادة تحالف “الحزب” و”التيار”، تحالف بهذا الحجم وبذاك التداخل ليس ممكناً مرور انهياره وتدحرجه نحو النهاية على ما تثبت كل الوقائع الجدية من دون تكاليف باهظة داخليا. الجاري الآن في ترسيخ ازمة الشغور الرئاسي كما في التوترات الطائفية لواقع إدارة حكومة تصريف الاعمال هو الترجمة الاوسع نطاقاً لانهيار “تحالف مار مخايل” لا أكثر ولا أقل. هذا الانهيار يحتم قيام “مواجهة” مختلفة تتسم بأنماط محدثة وغير تقليدية وبعيدة كل البُعد عن أي مضمون انفعالي طائفي لئلا تتحول القوى الأخرى الى “كومبارس” في خدمة طرفَي الطلاق اسوة بخدمتهما من بعض القوى او كثيرها في زمن التحالف. ليس اول تحالف يولد وينهار في تاريخ لبنان السياسي، فثمة جبهات عريضة قامت وانتهت وتركت آثاراً في صناعة المصائر السياسية. لكنه تحالف نجح نجاحاً مذهلاً في استرهان سلطوي للبنان طويلا، فحذارِ نجاحه في تدفيع اللبنانيين الكلفة الأخيرة لانهياره!