كتبت النهار
لا نعرف ما اذا كان التطور القضائي الذي طرأ ظهر البارحة سيترجم بإستئناف القاضي طارق بيطار التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وصولا الى اصدار القرار الاتهامي الذي طال انتظاره. لكن ما حصل البارحة، وبصرف النظر عن الجدل القانوني الذي سيأخذ حيزا واسعا في الفضائين السياسي والإعلامي في الأيام القليلة المقبلة، حرك المياه الراكدة بعدما جرت عرقلة عمل بيطار بتواطؤ فظيع من معظم أطياف الطاقم الحاكم في لبنان لاكثر من عام. انها خطوة جرئية وقوية، ويجب ان تؤخذ في الاعتبار كمحاولة من قبل القاضي البيطار لمتابعة مواجهة الطاقم الذي وصل به الامر الى حد اتخاذ مجلس النواب متراسا لمنع مثول نواب ووزراء امام القضاء في التحقيق حول افظع الجرائم التي شهدها لبنان منذ نشوء الكيان قبل مئة عام. ولعل قيام احد كوادر “حزب الله” الأمنيين بتهديد القضاء في قلب القصر العدلي يدل على ان ثمة فريقا يرفض كل ما له صلة بالعدل و العدالة. ولنا في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري تجربة مرة في كيفية مقاربة هذا الطرف لكل ما يمت للعدالة بصلة. والحقيقة ان قضية المرفأ التي ضاعت قبل عام من اليوم تحت ضربات القوى المتحكمة بالقرار في البلد، لا تزال في مكان ما حيّة بفضل وجود قاض شجاع، قد يخطئ وقد يصيب لكنه يبدو عازما على الذهاب الى آخر المشوار، أي الى مرحلة يصبح فيها قادرا على اصدار القرار الاتهامي لكي تنتقل القضية من ايدي التحقيق العدلي الى قوس المحكمة التي وحدها تحدد من هو المذنب، وكيف، واين ! لكن في المقابل لا تسكننا أوهام في ان الطاقم الحاكم المتواطئ مع “حزب الله ” في القضايا الصغيرة والكبيرة سيعود الى سابق عهده من العمل المنهجي لمواجهة ما تبقى من قضاء يحاول ان ينفض عنه عيوب الاستتباع للسياسة، وان يضع بتصميم حجر الأساس في بنيان دولة القانون والمؤسسات. والحال ان لبنان الساعي اقله في المواقف اللفظية التي يدلي بها ساسته الى الخروج من ازمته بسلوك طريق الإصلاحات المطلوبة لا يسعه ان يدعي الإصلاح في وقت لم يتم تحرير القضاء فيه من طغيان القوة والسلاح والسياسية والفساد عليه. فلا اصلاح من دون قضاء مستقل يكون صاحب يد طولى في اخضاع كل من يقطن هذه الأرض لسلطان القانون.
ان مهمة القاضي البيطار صعبة، لا بل اكاد أقول استشهادية في زمن يتسيد فيه المجرمون على الوطن والمواطن، وفي عصر صار فيه قطاع الطرق حكام البلد والمهيمنين على مقدراته. ولذلك كله نقول ان المهم بالنسبة الينا ان يستأنف التحقيق العدلي مساره، داعين في الوقت عينه اللبنانيين الى الضغط على الذين عرقلوا ويعرقلون كلما لاحت في الأفق بوادر لتحرر القضاء من سطوة الجريمة المنظمة الطاغية.
والى المجتمع الدولي نتوجه لنقول ان ثمة فرصة جديدة لاحت منذ البارحة، ستواجه بقوة المجموعة إياها المهولة في الداخل، ولذلك يحتاج القضاء اللبناني الى حماية المجتمع الدولي على مسارات عدة، قضائية، وحكومية خارجية تكون بمثابة شبكة امان دولية لما تبقى من قضاء لبناني متمرد على هذا المزيج المافيوي الميليشيوي المتحكم برقاب اللبنانيين ومستقبل أولادهم.