كتبت النهار
بصراحته المعهودة، لم يناور زعيم “المردة” سليمان فرنجية عندما اعلن من بكركي قبل يومين انه ليس مرشح “حزب الله”، وانه قادر على ان يحصل من الحزب ومن سوريا على ما يعجز عنه الآخرون، ولو انه لم يفصح عن الامور التي يمكنه الحصول عليها، وما اذا كانت هي ذاتها التي تريدها شريحة واسعة من اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصا.
فالرجل تحدث عن الاستراتيجية الدفاعية “الواقعية” ضمن الحوار مع الجميع، ومع اعتماد افضل العلاقات مع الدول العربية عمومًا والمملكة العربية السعودية تحديداً، لكنه لم يقل كيف سيوفق بين هذه النقاط الخلافية الجوهرية التي تشكل مكمن الازمة اللبنانية، بل اكتفى بإعلان نفسه مرشحًا توافقيًا لا يسميه الحزب او سوريا، وإن كانت هذه رغبة كليهما.
فرنجية المعروف بتحالفه المتين مع الحزب، معروف اكثر بقربه الاكبر لدمشق، بحيث يأتي صديقه بشارالاسد على رأس الاولويات ضمن “الخط” الذي لا يحيد عنه. وهذا ما يجعل تحالفه مع الحزب متينًا وثابتًا ما دام الحزب ضمن هذا الخط، وما دامت سوريا وايران مستمرتين فيه جنبًا الى جنب. وهذا ايضا ما يجعل من فرنجية الخيار الاول للحزب امام حتمية الانتخابات الرئاسية وتراجع خيار الاستمرار بالفراغ.
هو يشكل نقطة تقاطع بين حليفي الاقليم، اي دمشق وطهران، اذا كان في الامكان اليوم احتساب دور سوري في هذا الشأن، بعدما تحولت ايران اللاعب الاكبر والاساسي على المشهد الاقليمي.
فالوضع الجيوسياسي الجديد الذي فرض نفسه على المنطقة يدفع بمرجع حكومي الى طرح السؤال عن ترددات المرحلة الجديدة التي دخل فيها العالم اليوم ولا سيما بعد الحرب الروسية على اوكرانيا. يسأل عما يجري في المنطقة العربية واوروبا واسرائيل. فايران التي دخلت الى هذا المشهد الجديد عبر فرض حالة تعطيلية للاستقرار من خلال تدخّلها وسيطرتها على اربع دول عربية، باتت اليوم تشكل، باتفاقها مع روسيا، عامل تعطيل للاستقرار الدولي، يزيد الامور تعقيداً ويزيدها حدة في تعاطيها.
تدرك طهران، وفق المرجع عينه، عجزها عن فرض رئيس للجمهورية في لبنان، تمامآ كما هي حال القوى الاخرى، ولكل اسبابه. ويدرك الحزب، الذراع التنفيذية لها، ان هناك صعوبة اكبر داخليًا وإقليميًا ودوليًا في فرض اجندته، ولذلك هو قال إننا ذاهبون الى مواجهات في المنطقة.
هذا الغموض القاتل يدفع المرجع الحكومي الى الاعراب عن قلقه مما سيشهده لبنان في المرحلة المقبلة مع استمرارالحزب في قرار المواجهة، غافلاً انه في المركب عينه مع كل اللبنانيين، والغرق سيطاول الجميع من دون استثناء.
لا يجد المرجع صعوبة في تصور حلول واضحة. ففي رأيه، الدولة لا تفلس، بل الادارة. وعلى الدولة دومًا ان تخلق قيمًا اقتصادية جديدة. ومهمتها الاساسية استرجاع ثقة اللبنانيين بالغد. هي في رأيه كلمة صغيرة وانما بجهود كبيرة جدًا لان استعادة الثقة ليست امرًا سهلاً بعدما تم تدميرها على كل المستويات، وآخرها ضرب القضاء، آخر اعمدة الصمود المؤسساتي، مع كل ما يرتبه ذلك على سمعة البلد وصدقيته.
ليس المطلوب في رأي المرجع، الدخول في حرب اهلية مع الحزب، وان كانت كل الممارسات الحاصلة اليوم تدفع الى هذا الاستنتاج، حتى لو لم يكن هناك قرار بذلك. فالشارع اليوم خرج عن السيطرة، وبات اسير اي طابور لاستدراجه، بعدما بلغت الازمات والانهيارات ذروتها، ودفعت الناس الى اقصى مستويات اليأس والغضب والاحباط والفقر.
لا يرى المرجع سبيلاً لاحتواء الانفجار ومنع حصوله إلا بنزول الجميع عن شجرة التعطيل وفوائض القوة التي يقفون وراءها. فالغرق سيأخذ الجميع، والاستقواء بالخارج لن يكون كافيًا لاستعادة زمام السيطرة. فلا رياح مؤاتية لمن لا اشرعة له، ولبنان اليوم بات مشرّعًا على الفوضى من دون اشرعة.
ويختم المرجع بالتنبيه الى مخاطر الاستمرار في لعبة التعطيل ودفع البلاد نحو الفراغ، لما سيرتبه من تداعيات خطيرة اذا طال امده اكثر بعد، لافتًا الى ضرورة رصد المتغيرات في المنطقة وترقّبها لكي يجد لبنان له مكاناً وسطها.