كتبت النهار
يفتح رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اكثر من جبهة على الاسماء المارونية المرشحة لرئاسة الجمهورية بحيث لا يوفر وسيلة للنيل من معارضيه. ولا يكاد ينتهي في لقاءاته واطلالاته من التصويب على الوزير السابق سليمان فرنجية حتى يركز هجومه في اتجاه قائد الجيش العماد جوزف عون . وكان اللافت في معرض كلامه الأخير تناوله قائد المؤسسة العسكرية من الزاوية المالية، إذ يخالف في رأيه “قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع ويتصرف على هواه بالملايين بصندوق للاموال الخاصة وبممتلكات الجيش”. ولم يفوت خلافات قائد الجيش ووزير الدفاع موريس سليم ليعرّج بطريقة غير مباشرة على المبالغ التي حصل عليها الجيش من قطر وآخرها من اميركا لدفع 100 دولار لكل عسكري لمساعدته في الظروف الصعبة التي يعانيها. وسبق لوزارة الخارجية القطرية ان قدمت دعما ماليا للجيش على شكل هبة بقيمة 60 مليون دولار في حزيران الفائت بغية دعم رواتب العسكريين. وقبل اسبوع اعلنت السفيرة الاميركية دوروثي شيا عن مساعدات موقتة بقيمة 72 مليون دولار لدعم رواتب الجيش وقوى الامن الداخلي لمدة ستة اشهر. وجرى تأمين المدفوعات بموجب القانون 100 دولار شهرياً لكل العناصر المستحقين في المؤسستين تحت مظلة برنامج الامم المتحدة الانمائي وبالشراكة مع السفارة الاميركية وبموافقة الكونغرس على هذه المساعدة. واستهدف باسيل قائد الجيش ولم يتطرق الى المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي تستفيد مؤسسته من المساعدة الاميركية.
وبعيدا من سعي باسيل الى احراق “الصورة الرئاسية” للعماد جوزف عون، سلط هذا الموضوع الضوء على مسألة ادارة الاموال في الجيش وهل تتم هذه العمليات بقرار شخصي او عبر المجلس العسكري او وزارة الدفاع؟
كل شيء يشتريه الجيش من “البرغي” الى الطائرة يتم عبر المديرية العامة للادارة بواسطة مناقصات عبر لجان تلزيم تابعة لوزارة الدفاع يعيّنها الوزير وتتواصل بدورها مع المتعهدين. ولا تستطيع المؤسسة شراء قطعة غيار لآلية عسكرية من الخارج من دون الحصول على توقيع وزير الدفاع. اما بالنسبة الى الاموال التي تحصّلها المؤسسة من ارباح النوادي والتعاونيات فتديرها المديرية العامة للادارة باشراف قائد الجيش، وتدخل كل هذه العملية في اطار الاموال العامة ومن خارج موازنة الوزارة. وجرى وضع الارقام المالية التي حصلت عليها المؤسسة اخيرا من واشنطن والدوحة في حساب خاص للجيش في مصرف لبنان، فهي تدخل في اطار الاموال الخاصة وتنفقها القيادة في رفد رواتب العسكريين ونفقات الطبابة التي لم يتهاون بها قائد الجيش حيال العسكريين وعائلاتهم، ولا سيما بعد تراجع قيمة رواتبهم. ولم تمر الهبتان القطرية والاميركية عن طريق مجلس الوزراء. ومع ذلك لم تعترض اي جهة او كتلة نيابية على هذا الاجراء سواء داخل الحكومة او خارجها. ولم يصدر سؤال عن طلب التدقيق في كشوفات مالية في هذا الشأن، إلا ان نائب البترون وضع قائد الجيش في خانة الفساد المالي.
ويعتقد كثيرون ان حديث باسيل هذا جاء بعد الازمة الاخيرة بين العماد عون والوزير سليم بغية تشويه صورة قائد الجيش واتهامه بالتصرف بملايين الدولارات من دون اتباع اصول قانون المحاسبة العمومية. واضافة الى ذلك، يوجد لدى الاخير صندوق مالي خاص للنفقات السرية حيث يتم اقتطاع مبلغ لهذا الصندوق من موازنة وزارة الدفاع. ويحصل الامر نفسه عند مديريات الامن العام والامن الداخلي وأمن الدولة حيث يحق لأي واحد من قادة هذه الاجهزة التصرف بمبلغ مالي من دون الحاجة الى المرور بقنوات الاقسام المالية لدى هذه الاجهزة. وتمر المساعدات الغذائية والعينية من الدول الصديقة بعلم وزارة الدفاع.
في شق الآثار السياسية لكلام باسيل ضد قائد الجيش لم يلقَ هذا الكلام الصدى المطلوب على المستوى المسيحي اولاً ولا الوطني ولا عند بكركي التي تتعاطى بعناية فائقة مع قيادة المؤسسة العسكرية. وثمة نواب على علاقة جدية مع اليرزة لم يتبنوا كلام باسيل الذي “تحسس” بالفعل من صعود أسهم جوزف عون الرئاسية، فضلا عن تأييد يلقاه من نواب في “لبنان القوي”، اضافة الى الكلام المشجع الذي اطلقه في حقه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ويرى باسيل ان عون اكثر خطورة عليه من وصول فرنجية لانه في حال وصول العماد الى قصر بعبدا “سيحصد” الكثيرين من البيئات العونية . ولذلك اراد باسيل النيل من غريمه هذه المرة من زاوية الاموال التي تحصل عليها المؤسسة. ولم يستطع باسيل الهجوم على قائد الجيش من باب حفاظه على المؤسسة وعدم انفراطها ونجاحها في تخطي اكثر من امتحان. وثمة من يدعوه الى مراجعة “حزب الله” في هذا الشأن، والذي سيكون اول المتضررين في حال تفكك المؤسسة العسكرية. ويتبين ان ما فعله قد ارتد سلباً عليه، وثمة من يذكّره بأن يسأل الرئيس السابق ميشال عون عن ملايين الدولارات التي حصل عليها ابان وجوده على رأس قيادة الجيش من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهل تلك الاموال وغيرها كانت تمر عبر قنوات الدوائر الحكومية وتخضع لقانون المحاسبة العمومية؟