كتبت النهار
لا يزال الزعيم الزغرتاوي سليمان فرنجية مرشّح “حزب الله” الفعلي لرئاسة الجمهورية. وهو قد يُعلنه مرشحاً رسمياً له كما قد لا يُعلنه، إذ إن ذلك يتعلق بأوضاع الداخل وبدور الخارج المتنوّع في الاستحقاق الرئاسي اللبناني. لكن ذلك لا يعني على الإطلاق وجود ضعف في التزام “الحزب” مع فرنجية. وانتخابه رئيساً ممكنٌ من دون إعلانه مرشّحاً له إذ إن التزام إيصاله الى الرئاسة ثابتٌ و”نهائي” حتى الآن. ما يطلبه منه قادة “الحزب” هو عدم الاكتفاء بخوض معركته من بنشعي والانتقال الى العاصمة بضعة أيام في الأسبوع لأنها المركز الأول للحركة السياسية الناشطة في البلاد، ولا سيما عندما تكون أمام استحقاق انتخاب رئيس لها وفي مرحلة خطيرة وطنياً وإقليمياً. ويطلبون منه أيضاً مساعدتهم في تأمين أكثرية النصف زائداً واحداً في مجلس النواب التي من دونها لا رئيس للجمهورية أياً يكن اسمه وانتماؤه، علماً بأن دستورية الجلسة الانتخابية يؤمنها حضور ثلثي النواب جلسة الانتخاب واشتراكهم في دورة انتخابية أولى “فاشلة”، إذ لا يمتلك أيّ مرشّح أصوات الثلثين ثم في دورة ثانية ناجحة يستطيع أن يفوز فيها رئيسٌ بالأكثرية المطلقة من أعضاء مجلس النواب.
طبعاً يعرف “حزب الله” أن البيئة الجغرافية لآل فرنجية هي الشمال المسيحي – السنّي بغالبيته. ويعرف أيضاً أن علاقة عائلة “مرشحه” سليمان فرنجية بسنّتها قديمة منذ أيام الراحل حميد فرنجية أحد رجالات الاستقلال الذي كانت مواقفه الوطنية والعربية متوافقة مع سنّة الشمال في مرحلة صعود رئيس مصر جمال عبد الناصر وتحوّله زعيماً عربياً، كما في مرحلة الخلاف بينه وبين رئيس لبنان كميل شمعون في ذلك الوقت. هذه العروبة استمرت ومعها العلاقة مع سنّة الشمال رغم الافتراق القصير في السنوات الثلاث الأولى من الحرب الأهلية وغير الأهلية في لبنان (1975-1978) الذي أنهاه اجتياح إهدن معقل عائلات زغرتا كلها، وأعاد الصفاء والتعاون بين آل فرنجية والشمال السنّي “والعربي”. في هذا المجال يعرف “الحزب” أن لفرنجية الحفيد علاقة جيدة مع عشرة وربما أكثر قليلاً من نواب السنّة، ولا شك في أن ذلك قد يساعد في انتخابه رئيساً. وفي المجال نفسه يشير متابعون لبنانيون من قرب لـ”الحزب” الى أنه قد لا يُعلن فرنجية مرشحاً رسمياً له، لكن ذلك لن يحول دون انتخابه ولا يرمي بالطبع الى ذلك. ويشيرون أيضاً الى أن “الحزب” يسعى من خلال قنواته المباشرة وغير المباشرة كما من قنوات أصدقاء له وديبلوماسيين أجانب منفتحين عليه الى الحصول على معلومات دقيقة عن مواقف الدول صاحبة الدور الأساسي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية هذه المرة لكي تكون حساباته دقيقة، فتساعده في اتخاذ الموقف المناسب وفي تأمين ظروف نجاح مرشحه الرئاسي. لهذا السبب فإنه يسأل كثيراً عن موقف المملكة العربية السعودية المعادية له ولإيران الإسلامية حليفته رغم تسريبات متنوّعة المصادر عن عدم ممانعتها في رئاسة فرنجية. ويسأل كثيراً عن موقف أميركا الذي تؤكد تسريبات أخرى أنها لا تمانع في رئاسته أيضاً، كما عن عدم ممانعة فرنسا. علماً بأن اتصالاتها به تجعله يعرف تماماً موقفها من هذا الأمر.
هذا عن سليمان فرنجية فماذا عن جبران باسيل رئيس “التيار الوطني الحر” الذي أعلن أخيراً أنه قد يجد نفسه “مرغماً” على الترشّح للرئاسة الأولى رغم معرفته وضع البلاد وصعوبة فوزه بل استحالته. والدافع حرصه على إثبات سلسلة مواقف منها الميثاقية ومنها التمثيل المسيحي الواسع وأمور كثيرة؟
المعلومات المتوافرة عن باسيل والاستحقاق الرئاسي وعلاقته بحليفه “حزب الله” منذ 2006 كثيرة عند المتابعين أنفسهم ومن قرب للأخير ولـ”التيار” في الوقت نفسه. فالخلاف بين حليفي شباط 2006 لا يزال موجوداً. ولم يفلح الاجتماع الرسمي والمُعلن قبل حصوله بين مسؤوليْن رفيعيْن في “الحزب” الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا ورئيس “التيار” باسيل لم تنتهِ الى نتيجة إيجابية نهائية، ولا الى نتيجة سلبية مثل الافتراق وإنهاء “تفاهم مار مخايل”. لكن ما قاله “الحزب” بعده أنه و”التيار” مثل سيّارتين تسيران بمحاذاة بعضهما على أوتوستراد. يعني ذلك أنهما قد لا يلتقيان أو قد يصطدمان أو قد ينتقل أحدهما الى سيارة الآخر. لكنه لا يعني أنهما وصلا الى مرحلة اتخاذ قرار نهائي لمصير “التفاهم” والتحالف. إلا أن ما يزعج “حزب الله” استناداً الى متابعيه من قرب أنفسهم هو استمرار باسيل في إظهار نقاط الخلاف معه وفي تصويره معارضاً لبناء الدولة وممتنعاً من زمان على إعادة بنائها وتالياً تحميله مسؤولية الوضع المزري الراهن في البلاد، وإصراره على تبرئة نفسه و”تياره” مع مؤسّسه الذي صار رئيساً كما بقيادات كثيرة فيه من أي مسؤولية عن الوضع الراهن. ما يُزعج “حزب الله” أكثر هو بدء تكوّن شعور لديه بأنه يتعرّض لـ”ابتزاز” حقيقي من حليفٍ قدّم له كل الدعم الذي احتاج إليه منذ البداية ولا يزال يقدّمه له حتى الآن من أجل تثبيت نفسه حزباً فاعلاً وقوياً وصاحب دور مهم كما من أجل تربّع مؤسّسه “الجنرال” ميشال عون على كرسي رئاسة البلاد. لكنه لم يشبع. فهو يريد الاستئثار بزعامة المسيحيين من خلال ولاية رئاسية ثانية له أي باسيل بوصفه رئيساً لـ”التيار” بعد انتهاء ولاية عون، ويريد من الناخب الأقوى أو ربما الأول “حزب الله” تأمين ذلك له، وأن يستمر هو في المقابل في التواصل مع أعداء “الحزب” وراعيته إيران في الخارج طالباً رضاهم وتأييدهم وربما واعداً إياهم بأمور ليست في مصلحة حليفه. هذه مواقف تزعج أركاناً في “التيار الوطني الحر” وآخرها اقتراحه غير المُعلن ترشيح أحد النائبيْن فريد البستاني وندى البستاني لرئاسة الجمهورية إذ إن حاجتهما إليه كبيرة ولذلك فلا خطر من تخلّيهما أو تخلّي أحدهما عنه لاحقاً. الى متى ينتظر “الحزب”؟ لا جواب عن ذلك حتى الآن.