كتبت النهار
انشغل الرأي العام اللبناني بموضوع اجتماع باريس حول لبنان بسبب ولع البعض بالمبالغة في نقل الخبر مع إضافات من نسج الخيال. بكل بساطة الاجتماع هو اجتماع تشاوري على مستوى كبار موظفي وزارات خارجية الدول المشاركة أو المسؤولين عن الملف اللبناني. ليس بين المشاركين قادة، أو وزراء خارجية يملكون بيدهم قراراً حاسماً. إنه اجتماع للتشاور الرسمي وتبادل الأفكار وبعض المعلومات التي يحق وضعها قيد التداول المفتوح بين خمس جهات خلال الاجتماع. وسوف يكون موضوع الاستحقاق الرئاسي بنداً مهماً ولا سيما لجهة إصرار الدول الخمس على أهمية إتمامه بسرعة قصوى، لكن ضمن معايير منطقية تأخذ في الاعتبار أن ثمة واقعاً يجب أن يتغيّر، بحيث يتحقق تحوّل من مرحلة رئاسة الرئيس السابق ميشال عون الى رئاسة مختلفة تماماً بالمضمون والسلوك والأداء، والأمر ينطبق على العمل الحكومي أيضاً. ما يجمع الدول الخمس هو هدف الانتقال بلبنان الى مرحلة مختلفة. طبعاً ثمة قراءات مختلفة بين المشاركين لطبيعة المرحلة المقبلة على مستوى الاستحقاق الرئاسي، لكن الهدف هو أن لبنان يجب أن يساعد نفسه لكي يساعده المجتمع الدولي، بداية عبر قيام مجلس النواب بواجبه بعد إدراك الكتل الرئيسية إلا إنقاذ للبنان إذا ما أصرّت تلك الكتل على التمديد للواقع القائم حالياً. إنها مسؤولية الطاقم الحاكم الذي أثبت لغاية اليوم فشله في إدارة شؤون اللبنانيين، لا بل إنه مسؤول بشكل رئيسي عمّا آلت إليه أحوالهم وأحوال البلد عموماً.
ثمة بنود أخرى مطروحة على بساط البحث مثل الدفع في اتجاه تحقيق الأهداف الإصلاحية التي يطلبها المجتمع الدولي ويصرّ عليها من أجل مساعدة لبنان، من هنا يمكن إدراج زيارة السفير بيار دوكان الأخيرة للبنان وهو المسؤول عن متابعة ملف دعم لبنان في السياق المشار إليه آنفاً. ثم هناك مواقف سوف يدلي بها ممثلو الأطراف الحاضرة من جملة قضايا يُتوقع أن تكون بارزة مثل الموقف الخليجي الذي أبلغ القيادات اللبنانية قبل نحو عام على شكل مذكرة عربية من عشر نقاط كانت الشروط لإعادة العلاقات الى سابق عهدها مع العالم العربي.
إذن نحن أمام اجتماع مهم لكنه ليس مفصلياً. لكن الرئيس الفرنسي عازم في المرحلة المقبلة على أن يجمع في باريس ممثلين من الدول الخمس المشاركة على أن يكون على مستوى وزراء الخارجية ويكون تقريرياً. هذا لا يعني أنه في الأثناء سيكون الممسكون بملف لبنان أكان على مستوى كبار الموظفين، أم على مستوى مديري المخابرات الخارجية المعنيين أيضاً، أم على مستوى المسؤولين الماليين أو الاقتصاديين بمنأى عن الملف. هذا المستوى من التشاور وتبادل المعلومات قائم على الدوام ولا ينقطع مهما صار. وبناءً على ذلك لا يمكن القول إن اجتماع باريس الذي يُعقد الاثنين المقبل سيكون يتيماً، ولا سيما أنه يتزامن مع بداية أسبوع دقيق وحسّاس في لبنان على الصعيد القضائي بخصوص معركة التحقيق في جريمة مرفأ بيروت التي يمكن ان تتفاقم على وقع الانقسام القضائي ومعه الانقسام السياسي والشعبي الداخليان. في مطلق الأحوال من المهم بمكان أيضاً تقصّي موقف “حزب الله” ومن خلفه إيران من اجتماع باريس وحركة الرئيس ماكرون المرتبطة بلبنان في ضوء توتّر العلاقات الفرنسية – الإيرانية على أكثر من صعيد، أبرزها تورّط طهران في حرب أوكرانيا، وارتفاع حجم خروقات إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥. هذا الأمر يمكن أن ينعكس في لبنان بمزيد من التعطيل المقصود من قبل الذراع الإيرانية المحلية.