كتبت النهار
تقتضي الصراحة الاعتراف بأن اللبنانيين الذين أصيبوا بذعر الزلازل الأشد إثارة للرعب لدى تمدّد تردّدات زلزال تركيا وسوريا الى لبنان تملّكهم في الوقت نفسه امتنان عميق للقدرة الإلهية التي أنقذتهم وباتوا ينظرون بمزيد من المرونة الى أزمات بلدهم. هذا الشعور لم يدم إلا فترة خاطفة إذ إن ما يدهم اللبنانيين منذ أيام يعادل بعصفه ما يصحّ اعتباره زلزال الذروة للانهيار اللبناني.
والحال أننا نقف الآن في المكان المشابه تماماً للمرحلة التي شارفت بدء الانهيار قبل 19 تشرين الأول 2019 حين كانت كل المعطيات والوقائع تطلق نذير الاقتراب من بداية الانهيار المالي تحديداً وصمّ جميع الممسؤولين الذين كانوا في السلطتين السياسية والمالية آذانهم عن تلك التحذيرات بشكل مشبوه وكان ما كان. الفارق الآن أن لبنان صار منزوع الدولة تماماً،
بحيث بلغ الانهيار ذروة تدحرجه ولا يجد اللبنانيون طريقاً الى الثورة ولا أشباه مسؤولين يضغطون عليهم ولا حتى أملاً في أن يكون اليوم التالي أفضل عقب ثورة مفترضة إن حصلت
إن أشد ما يثير الخشية هو أن يمضي لبنان تحت وطأة هذه المتاهة التي تستنفد أوصاف الخطورة القصوى الى متاهة دموية لأن تفلت الرقابة والضوابط والإجراءات الممكنة في الحد الأدنى لمنع عشوائية مالية – مصرفية من أن تشعل اضطرابات اجتماعية سيؤدّي حكماً الى إسالة الدماء في الشارع، بمعنى إشعال صدامات في كل أنحاء القطاعات المتهاوية تباعاً والتي سيتسارع انهيارها وتفككها مع كل ما سيثيره ذلك من اهتزازات أمنية وفوضوية عارمة. يقبل لبنان بذلك على تفكك لن تقوى عليه حتى عرى العصبية الطائفية التي كانت تجعل الميليشيات في زمن الحرب تمسك بزمام مناطق سيطرتها ولا الدولة راهناً لأن القوى العسكرية والأمنية والأجهزة كافة ليست في منأى إطلاقاً عما هو آتٍ بأسوأ ما يؤثر على تماسك أفرادها وعناصرها.