كتبت النهار
قبل أن ينشرح أنصار النظام السوري لرؤية بشار الأسد يهبط في سلطنة عمان على أنغام “الانفتاح” الخليجي المستجد عليه كانت فلول ما يسمّى فريق 8 آذار في لبنان قد دبّرت زيارة وفد نيابي تبع وفداً وزارياً في إقامة طلائع شعائر التطبيع العاجل مع هذا النظام. جاءت زيارة النواب “الممانعين” لتذكّرنا بما نجهل من وجود ما يسمّى جمعية الصداقة اللبنانية – السورية التي يبدو أنها أحد هياكل السخافات التي أقيمت منذ أيام الوصاية السورية وعمدت قوى الممانعة الآن الى إحيائها عبر توظيف موجة التهافت على سوريا بعد الزلزال المدمّر ولكن من خلال تعويم التطبيع مع سيد النظام الذي فاقت طاقاته التدميرية لبلده آلاف المرات قدرة الزلزال المرعب. لا نقف الآن عند ظاهرة شديدة القتامة في توجهات دول الخليج أو سواها تبريراً لـ”انفتاح” ظلامي على النظام بدل التضامن الشامل الإنساني مع الشعب السوري مهما برر ذلك بكلام من مثل كلام وزير الخارجية السعودي وسواه. فهذا التوجه تمليه تحولات لا نبررها ولا نرى فيها سوى ترسيخ لخلاصات تجارب مريرة عرفها ويعرفها لبنان دوماً في لعبة المصالح المتبدّلة. ما يعنينا مباشرة هو أن السلطة والقوى اللبنانية الفاشلة التي قادت لبنان الى الانهيار المحقق هي نفسها الآن تلملم هياكلها المتهاوية كجبهة سياسية قديمة وتتوجه نحو النظام الذي حالفته قبل أن يدمّر بلاده وبعدها فيما هي ليست أقل سوءاً منه في قيادة لبنان نحو الانهيار.
هو مشهد سوريالي أن ترى الفاشلين يتجمّعون في بقايا أطر بالية على أنقاض سوريا ولبنان سواء بسواء. ندرك سلفاً أدبيات الفريق البائد “الآذاري” إذ سيعيّرون خصومهم بأنه إن كانت دول الخليج وحتى السعودية بدأت رحلة إعادة التطبيع مع بشار الأسد فكيف باللبنانيين الذين لهم ما لهم مع سوريا ومع نحو مليونين وثلاثمئة ألف نازح سوري على أرض لبنان. والحال أننا نسارع الى اعتبار مسار التطبيع الخليجي مع النظام السوري من عواهن الزمن القاتم والشواذ الديبلوماسي والمصلحي غير المقبول في معايير حرب طاحنة قادها نظام هجّر أكثر من نصف شعبه خارج سوريا والنصف الآخر داخلها. ولكن التعامل مع الدول شيء ومع نشامى الانهيار اللبناني شيء آخر. هذا الفريق الذي أحكم السيطرة على لبنان وقاده الى ما بلغه الآن من مستويات أسطورية بمقاييس انهيارات تاريخية تتقدّم كل الانهيارات التي عرفها العالم منذ قرنين، يمسخ نفسه بنفسه إن تراءى له أنه قادر على تدارك تفكّكه وفشله بالاستعانة بصورة تعويم تحالفه مع بشار.
لم يكن توقيتاً موفقاً أبداً، ولا من الذكاء المزعوم، أن تخف حكومة تصريف الأعمال ولا النافذون في مجلس النواب أرجلهما ليكونوا أول طلائع المتهافتين على دمشق لمراضاة الأسد فيما لبنان يغور تحت وطأة فشل هذا الفريق أو التحالف المتآكل كأنه يعوّم نفسه لا حليفه الأسدي. تنهار بقايا هيكل 8 آذار تحت وطأة الفشل السياسي في إدارة الأزمات المتفجرة كما تحت وطأة تفكّك الحلف البائد بين العهد البائد والحزب الحديدي كما تحت وطأة السعي المحموم المحكوم باستحالة استجماع الأكثرية المطلوبة للمرشح الرئاسي. لا يقيم التحالف الذي كان يسمّى 8 آذار أي اعتبار لمراجعات ذاتية مهما كلفت، بدليل استعارة الماضي البائد لتعويض الحاضر الانهياري، ولذا فالفراغ مفتوح ما دام تبرير أسباب الفشل يحتاج الى إحياء محور الفاشلين.