كتبت النهار
ربما هي المرة الاولى التي يصار فيها الى إثارة نزاع بين السلطتين التنفيذية والقضائية بهذه الحدة. وفي حال عدم التوصل الى مخرج قانوني فهل نحن أمام سقوط مبدأ الفصل بين السلطات؟ وماذا عن الضابطة العدلية وتنفيذ المهام المطلوبة قضائياً؟
لم يتكشف بعد مصير الكباش القضائي السياسي بعد الكتاب الذي وجهه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى وزير الداخلية، بسام مولوي، طلب فيه “(…) اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حسن سير العدالة”، وذلك على خلفية التحقيقات التي تجريها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، في حق عدد من المصارف.
هذا الكتاب دفع مجلس القضاء الاعلى ونادي القضاة وكذلك وزير العدل الى الطلب من ميقاتي التراجع عن قراره. لكن لا يبدو أن رئيس الحكومة في ذلك الوارد بحسب ما تؤكده أوساطه التي تدعو لمراجعة توضيحه الذي دعا فيه لعدم تأويل خاطئ له وتأكيده عدم التدخل في عمل القضاء.
عادة ما يطلب القضاء من الضابطة العدلية تنفيذ مذكرات قضائية وكذلك يكلفها بإجراء التبليغات القانونية، وفي تلك الحالة تكون الضابطة العدلية تعمل على تأمين سير العدالة. بيد أن قرار وزير الداخلية لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام طلب “عدم تأمين المؤازرة أو تنفيذ إشارة أو قرار يصدر عن عون في أي ملف يثبت أنه قد جرى تقديم طلب مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، وذلك لحين بت المرجع القضائي هذا الطلب”.
المدعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي يشرح لـ”النهار” أن الضابطة العدلية تنفذ تعليمات القضاء وليس رئيسها التسلسلي ويوضح “الضابطة العدلية هي مساعدة للمدعي العام وهو في هذه الحالة رئيسها وبالتالي عليها تنفيذ تعليماته، وإن كانت ضابطة إدارية فهي تأتمر برئيسها التسلسلي”. ويلفت ماضي الى أن أي قرار يمنع الضابطة العدلية من تنفيذ مهامها كالذي صدر قبل أيام لا مكان له.
إلا أن هناك آراءً تنطلق من الإشكالية التي بدأت مع القاضية عون وعدم قبولها تبلغ ردّها في أكثر من قضية وبالتالي هناك تبرير لقرار ميقاتي.
من جهة ثانية تطرح التساؤلات حول المهام التي تنفذها قوى الأمن الداخلي ومنها على سبيل المثال مسألة السجون، فقرار مجلس الوزراء عام 2012 أعطى مهلة 5 سنوات لانتقال صلاحية الإشراف على السجون لوزراة العدل أي تحديد عام 2017، وحتى اليوم وعلى الرغم من مرور 5 سنوات على دخول القرار حيّز التنفيذ لا تزال قوى الأمن الداخلي من خلال وزارة الداخلية تشرف على السجون. ويوضح وزير الداخلية السابق مروان شربل لـ”النهار” أن “مسألة التبليغات يجب أن يقوم بها المباشرون وهم من الجسم القضائي وبالتالي لا يجب إقحام قوى الأمن الداخلي بها”.
وفي خضم السجال والجدل بشأن قرارات للسلطة التنفيذية تتعلق بسير المرفق القضائي وما يستتبع ذلك من تجاوز مبدأ فصل السلطات فإن من يجب أن يحسم الأمر هو مجلس النواب. لكن المجلس لا يجتمع بسبب التباينات بشأن دوره التشريعي في ظل الشغور في سدة الرئاسة ما يعني وفي حال بقاء الوضع على ما هو عليه أن الازمة في الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والقضائية ستبقى على ما هي عليه، علماً بأن القرارات الإدراية كقرار رئيس الحكومة أو وزير الداخلية ممكن الطعن فيها أمام مجلس شورى الدولة. ويشير شربل الى أنه في نهاية المطاف ستطبّق الأجهزة الأمنية قرار وزير الداخلية.
مصدر قضائي يعتقد أن “العودة عن الخطأ فضيلة”، في إشارة الى قرار ميقاتي، ويلفت الى أن “القرار يشل قدرة نائب عام استئنافي عن ممارسة عمله بغض النظر عن الرأي في أدائه، ومعالجة أي خلل قضائي لا تكون من خلال قرارات تنفيذية، ولذا فإن العودة عن تلك القرارات تكون أمراً جيداً وعادياً”.
أما عن معالجة الخلل القضائي فيشير الى أن “ذلك يكون ضمن غرف العدلية وإن لم يكن هناك ما يمنع من أن تقوم الحكومة بما يشبه الإرشادات للقضاء، كلفت النظر إلى تأثير المسار في قضية معينة على الواقع المالي والمصرفي”.
ربما هي المرة الاولى الذي يشتد فيها هذا الكباش الحكومي القضائي وسط غموض في السيناريو المرتقب ولا سيما بالنسبة للضابطة العدلية التي باتت أمام إدارة الظهر لقرارات وتوجيهات قضائية محددة بعينها، وبين تداعيات تقاعسها عن ذلك وخصوصاً أن تحولها إلى ضابطة عدلية يعفيها من التسلسل الإداري