كتبت النهار
يحفز بدء الشهر الخامس من الشغور الرئاسي مع مطلع آذار المقبل على سؤال أساسي في مسار أزمة تتراكم بين تعقيداتها معالم هزيمة موصوفة للذين استسهلوا استعادة أنماط التعطيل الدستوري، وهو متى يعترف “الفريق الممانع” بأنه أخفق هذه المرة في فرض خياره داخلياً وخارجياً؟
يتخبّط الوسط السياسي برمّته في حفرة العجز عن بلوغ مسلك ينهي الأزمة الرئاسية ولا يمكن فريقاً أن يخرج متباهياً بأنه يمسك بزمام موقفه ووضعه أمام اضمحلال آخر معالم الدولة والمؤسسات وتفككها بعد أربعة أشهر من فراغ الرئاسة الأولى وتمدّد الشلل الى سائر المؤسسات. مع ذلك من غير المنطقي أن تبقى دوامة الغرغرة بأدبيات مرحلة الفراغ تدور في تعميم لا يقارب جوهر الأزمة لجهة أن الفريق التعطيلي وقع في الحفرة التي لم يحتسب لها هذه المرة مهما بلغت مكابرته في الإنكار.
سواء لارتباطه الإقليمي بإيران المأزومة التي تستبيح واقع نفوذها في لبنان لاستدراج عروض مع الخليج والغرب أو لحسابات تمديد التحكم بالقرار السلطوي في لبنان بما يشكل امتداداً لواقع العهد العوني السابق، لم يعد يمكن “الفريق الممانع” بقيادة “حزب الله” المضيّ في التستر على فشله في فرض انتخاب مرشحه ولا الرهان على الوقت الإضافي مهما طال لفرض انتخابه بالطرق التي تتوسّل دفع الآخرين للاستسلام له. لقد كشفت وقائع الأشهر الأربعة وما قبلها من تجربة الشغور الحالية أن ما صح مرة في فرض ميشال عون كالرئيس الثالث عشر للجمهورية ليس “قدر” اللبنانيين الحتمي باستعادة فرض مرشح “حزب الله” في منصب الرئيس الرابع عشر للجمهورية.
ما صح في زمن ما قبل الانهيار بات شبه مستحيل فرضه تكراراً بعد أكثر من ثلاثة أعوام من الانهيار بدا معها كل ما كان قائماً في “ذاك اللبنان” كأنه ذهب مع العواصف والكوارث التي تسبّب بها الانهيار .
يختبئ “الفريق الممانع” وراء أدبيات تحتاج الى مراجعة عميقة في مقاربة أي تسويغ لتعنته ومكابرته في الإقرار بالفشل في فرض مرشحه وأي مرشح بديل ما دام لا يرى أن ضعف جبهة خصومه لا يعني هذه المرة أنها عامل قوة له. لعل أسوأ ما يتعيّن على “الممانعين” الاعتراف به أنه “على نفسها جنت براقش” وأن السحر انقلب على الساحر في وقائع داخلية وإقليمية ودولية لم تعد تسمح لهم بمغامرات الانقضاض السلطوي بمثل فرض رئيس الجمهورية، كما يستسهل محمد رعد الاستخفاف بالجميع بكل “أريحية”.
لا إيران تلك التي أقامت نفوذاً عابراً لدول قادرة بعد على مزيد من التحكم بدول لا يجمع بينها سوى الفشل المطبق والانهيار التام في واقع كونها قوس الدول الفاشلة التي أودى بها نفوذها. ولا الوسائل والأنماط التقليدية التي اتبعها سابقاً “الحزب القائد” لمحور الممانعة في لبنان صالحة ومؤهلة ونافذة بعد بالقدر الكافي لفرض مشيئة هذا الحزب، الذي يقدّس القوة القاهرة المستقاة من كونه جيشاً تفوق قدراته التسليحية قدرات جيوش ضخمة، كإيديولوجيا في فرض موازين القوى الداخلية.
لعلنا الآن أمام الافتراض “الواقعي” المحتوم في أن يبلغ “الفريق الممانع” مرحلة إدراك عجزه عن فرض مرشحه الأحادي ولكن مع عدم الانتقال الى “المرحلة ب” للتفاوض إلا متى تلوح القاطرة الإقليمية بـ”أمر” التفاوض متى شاءت حساباتها تحريك ورقة نفوذها في لبنان، فماذا على الآخرين أن يفعلوا؟