كتبت النهار
بلغ الانحطاط السياسي في البلد ذروته في اليومين الماضيين. فبين كلام من هنا وردّ من هناك بدا أن المسؤولين نسوا أو تناسوا أن انشغالات الناس هي في مكان آخر. طبعاً الاستحقاق الرئاسي مهم، وإنجازه خطوة أساسية للبدء بسلوك طريق الحلول الناجعة أقله للشأنين الحياتي والمعيشي ربطاً بحسن تطبيق برنامج إصلاحي جدي في البلد. هذا هو الأهم اليوم وإن يكن الخوف العميق في البلد يدور في ما يدور حول مسألة تحكم “حزب الله “بالقرار السيادي. وليس خافياً على أحد أن “حزب الله” وإصراره مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على فرض مرشح منتمٍ الى “الخط” هو في أصل التعطيل المنهجي لمهمة مجلس النواب القاضية بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. والتعطيل الذي نتحدث عنه هو الذي يقوم من ناحية على سوء إدارة مؤسسة مجلس النواب وجلساته وفرض تفسيرات اعتباطية واستنسابية لنصوص دستورية متعلقة بالجلسات وكيفية احتساب النصاب فيها، ومن ناحية أخرى على الضغط على النظام السياسي ومعه القوى السياسية المتواطئة أو المستسلمة من أجل فرض مرشح بعينه لا لشيء بل لأنه على ما صرّح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله سيحمي ظهر “المقاومة”. وكأن ما تسمّى “مقاومة” تسمو على بلد بأمه وأبيه. هذا الواقع مقلق للغاية ولا سيما أن البلاد متجهة الى حالة ستعم فيها العصبيات المتشنجة لأن ثمة فريقاً يستقوي على بقية الأفرقاء بسلاحه غير الشرعي واضعاً أجندته الخاصة ووظيفته الإقليمية فوق كل اعتبار. وعندما نتحدث عن تفشي العصبيات الطائفية والمذهبية والجهوية الضيقة فإن مرد ذلك أن مكونات في البلد قد غلبها شعور الخوف الوجودي من حالة شاذة لم تنفك تقضم الكيان يوماً بعد يوم. من هنا لا عجب في أن يصل مستوى التخاطب السياسي الى المستوى الذي بلغه بالأمس بسبب غياب ضوابط في الحياة العامة، وافتقاد مرجعيات الدستور والقانون والأهم الأخلاق.
نحن لا نريد أن نتناول موضوع التراشق الذي يجب أن ينتهي بسرعة لأن أزمة لبنان أصعب من أن يختزلها بعض الخطاب السوقي من هنا أو هناك. لذلك نصرّ على أهمية العودة الى الموقف السياسي، الذي يجب أن تتحكم به بوصلة العقلنة والاتزان. فإصرار “الثنائي الشيعي” على فرض رئيس من فريقه يجب أن يطوى. وإن كانت حجة الفريق المشار إليه أن السياديين يطرحون مرشحاً يصنفونه استفزازياً فالحري بـ”الثنائي الشيعي” ألا يطرح اسماً استفزازياً بامتياز. ولذلك من المهم أن يدرك الفريق المذكور أن أي مرشح يخرج من صفوف “الخط” سيكون مرفوضاً من شريحة واسعة من اللبنانيين وفي المقدمة المسيحيون، فضلاً عن أنه سيعاني من عزلة عربية فعلية تعلو على بعض اللياقات التي لمسناها في مناسبات عدّة أخيراً. إن محاولة فرض مرشح لـ”حزب الله”في قصر بعبدا يجب أن تواجه بحزم وصلابة وموقف، بصرف النظر عن اسم الشخص. فالأهم هو العنوان العريض للترشيح ولما يمكن أن تكونه رئاسة يمسك بمفاتيحها الحزب الآنف الذكر. لذلك لماذا لا تكون بداية الطريق نحو حل لمعضلة الخلاف حول الاستحقاق الرئاسي بسحب مرشح “الثنائي الشيعي” وذلك إفساحاً في المجال لفتح حوار جدي ومتوازن حول اسم الرئيس المقبل؟ إن كان لا بد من حوار كما يدعو رئيس مجلس النواب فلا بدّ من أن يكون شرطه المسبق ضمان خروج “حزب الله” نهائياً من قصر بعبدا.